ثقافة وفن

بساطة صباح والحياة

| أيمن الحسن

هي الأغنية، هذا الجزء من الأدب المنقول سماعاً في كلمات سلسة، سهلة التلحين والحفظ، سريعة الانتشار بين المستمعين، إذ تدفع سامعها إلى الانسجام مع إيقاع لحنها الجميل، لتتأصل بمرور الأيام في الوجدان الجمعيّ.
إنَّها باختصار قول منظوم، له جرس معين، في إيقاع موسيقيّ محبَّب، يردِّدها الناس كجزء من ثقافتهم العامَّة.
تنقل الأغنيَّة عادةً أفراح الناس وأتراحهم كما تحمل أحياناً بعض تقاليدهم وطقوسهم المحليَّة في الغداء…
تقول الصبوحة في أغنيَّتها الشعبيَّة المعروفة:
ع البساطة البساطة… يا عيني ع البساطة… تغديني خبزة وزيتونة… وتعشيني بطـــاطــــــا
وجبتان غذائيَّتان مهمَّتان بالفعل، تحتوي أولاهما الخبز، أساس مائدتنا العربيَّة، بمكوناته المفيدة والضروريَّة لبناء جسم الإنسان، إذ يرد في الأمثال العامَّة عند الفقراء تحديداً: «الخبز الحاف يعرِّض الأكتاف», والزيتون هذا الغذاء المهمُّ لجسم الإنسان أيضاً، وهو النبات المقدَّس الَّذي ورد ذكره في القرآن الكريم، يقسم اللـه تعالى به: «والتين والزيتون وطور سينين».
الوجبة الثانية هي البطاطا، أو البطاطس، الَّتي تحتوي مواد نشويَّة مغذيَّة ونافعة، كما أن شرحاتها، أي تقسيمها إلى قطع مثل الشرائح، تستخدم لمعالجة احمرار العينين، حسب نصيحة المدرِّبين في ورشة التلحيم بوساطة التيار الكهربائيّ في كليَّة الهندسة المدنيَّة، الَّتي تخرَّجتُ فيها، مع ضرورة عدم إغفال الوجبة الأهمّ، ألا وهي وجبة الإفطار الصباحيِّ، الَّتي يصرُّ الأطباء، وعلماء التغذية على وجوب تناولها، ولاسيما لأطفالنا الأعزاء.
وتأتي كلمة البساطة في عنوان هذه الأغنية الجميلة بمعنى السهولة، وعدم التكلُّف، بعكس التعقيد.
هذه البساطة المطلوبة حتَّى في مجال الكتابة، إذ يؤكِّد نقَّاد عديدون أن الأدب هو البساطة، وليس التعقيد إلى درجة التصنُّع، أو السهولة حدَّ السذاجة، والكلامِ العاديّ.
مع أن لفظة البسط في اللغة الدارجة تعني البهجة والسرور، فإن يسألك أحدهم:
– مبسوط؟
يقصد: «هل أنت سعيد هذه الأيام»؟
فما أجمل أن تُدمَج الأغنية، وهي نبض الحياة، الَّذي يحمل موروثاً ثقافيَاً خاصّاً بكلِّ جماعة بشريَّة في منطقة ما، ووسيلة الناس للمرح والبهجة، أو الحزن والكآبة، إذ تعبِّر عن عواطفهم المختلفة: فرح أو حزن، بهجة لقاء، أو ألم فراق، أن تمتزج مع الغذاء، وهو وقود الحياة الَّذي لا بدَّ منه، كي نعيش في صحة وعافية دائمتين، مؤكِّدين على حضور الحبِّ في حياتنا، هذا الحبُّ، غذاء العاطفة اللذيذ، الَّذي جعل صبيَّة حلوة «الفنانة الشحرورة صباح»
تقبل «برجل.. طفران ودرويش الحال… يسكن في أوضة صغيرة
ما فيها غير حصيرة»
ويقدِّم لها وجبة غداء من الخبز والزيتون فحسب، وعلى العشاء يطعمها البطاطس في فيلم «أهلاً بالحبّ» من إخراج: «هنري بركات» وبطولة فتوة الشاشة المصريَّة أيامذاك الفنَّان المصري القدير فريد شوقي. والأغنية من ألحان الموسيقيِّ السوريِّ المبدع سهيل عرفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن