ثقافة وفن

زياد الرحباني.. الحياة والفن.. أراء منثورة … فيروز لا تسمع أغانيها صباحاً بل تسمع الكلاسيك

| جورج إبراهيم شويط

زياد الرحباني، عدا كونه وريث الأخوين الرحباني، اللذين صنعا لبنانَ آخرَ، بخيالهما، وبعزف الروح المحلقة، المجنونة، المأخوذة بوهج الخلق والابتكار، وبشدو الكلمة، بهذا الخليط من الدهشة، ابتكروا، ذلك اللبنان، الذي هو: «قطعة من السما»، أو كما لو أنه خارج خريطة الواقع، أو كما لو أنه حلم بحجم الحلم، وعدا كون «صاحبة الصوت الملائكي»، التي تحتلّ بصوتها، صباحاتِ الناس، في مشرق الأرض ومغربها ومهجرها، هي التي احتضنتْ نبضَه، بحنان الأم، وحنان الأنثى البسيطة الفنانة، الحالمة المبدعة.. بعيداً عن كل ذلك، فزياد الرحباني هو نسيج وحده، في كلّ شيء، وثمة جيل مضى، كان يتسمّى باسمهِ، تعلقَ بكلّ ما يُبدعُهُ هذا الزياد «الفلتة».
من حواراتٍ ولقاءاتٍ كثيرة، ولساعاتٍ عديدة، كان هذا البوحُ العفوي لزياد الرحباني، ورأيه الصريح بالفن وفيروز والرحابنة والصحافة، والحياة والمرأة والزواج، والأولاد والسياسة:

الناس ينظرون للفنان، على أن له هالة، وعلى أن الفنانين جماعة ينزل عليهم الوحي، ويستغربون «كيف بيطلع الفن معنا، وكيف بتطلع معنا الموسيقا والألحان والأغاني».. يا سيدي، بقليل من الإحساس الشرقي، يمكن تركيب كلمات على أغنية أو لحن أجنبي، فتتحوّل إلى أغنية شرقية، مثل «روح خبّر عني وقول شي معقول».
الرحابنة صوّروا، بأعمالهم، «الجبال اللي ما بتنطال»، والطبيعة حالمة، ليس فيها إلا «كلشي حلو».. وصدق ومحبة وتعاون وبراءة وقداسة.. وهي قطعاً غير ذلك..
الآلات الغربية، هم من اخترعوها.. وربع العلامة موجود، فقط تحتاج لإحساس شرقي، ويمكن التحايل، أثناء العزف، وتحويل الغربي إلى شرقي، على الآلات الغربية.

طفولة زياد

كنت أهرب من المدرسة كي أحضر سينما، وأدور في الأسواق، وأجلس في الحدائق، «جنينة الصنايع».
في طفولتي، أنا وإخوتي، كنا لا نتحرك من المنزل، وخاصة إذا كان عند أمي وأبي حفلة، مع التنبيهات الكثيرة «أنو أوعا تتحركوا لمحل».
الكيميا، كانت تحتاج لحفظ، أكثر من الفهم، لذلك لم يكن بيني وبين الكيميا كيميا، ثم ماذا ستفيدنا الكيميا بالحياة.. ولذلك سقطت، «رسبت» في البكالوريا/ قسم ثانٍ.
أجواء منزلنا كانت مشحونة بالخلافات، بين فيروز وعاصي. وعيت ذلك في طفولتي الثانية، لذلك طلعت من البيت، وبحثت عن عمل، واستأجرت بيتاً، وصرت أعمل عازف بيانو، مع فرق موسيقية مختلفة، ووالدي «مشْ فارقة معه»، أما أمي، فكانت تحب أن أكمل المدرسة، وإذا «زبطتْ معي الموسيقا فما من مشكلة أيضاً».
عنه يقول عمه الراحل منصور الرحباني: زياد تربّى تربية هنية، وكان مدللاً، وذكياً، وسريعَ الالتقاط. انتبهَ لحزن الوجوه، ولتعاسةِ الناس. أراد أن يعيش حياة الناس، التعساء الفقراء.. ويختبر حياتهم. زياد يحمل تجربة.
لا أحب المسرح باللغة الفصحى. ماذا أقول للبائع: أيها البائع ماذا لديك؟ هل ثمة علكة عندك؟ المسرح اللبناني لبناني والسوري سوري والمصري مصري..
ضروري يكون العازف «مسلطن» وهو يعزف، حينها يمكن أن يضيف تغريدات، يسلطن بها الجمهور الذي يصغي له.
الأخوان الرحباني كانا مديونين، وهناك بنوك تعرف ذلك.
كان «عاصي»، والدي، يأخذ رأيي بألحان، يضعها لأغنيات فيروز، لكنه لم يكنْ يهتمّ بالعلامات، التي أحصل عليها، حتى إنه، مرات، كان يجهل بأي صف أصبحت!
الحياة هي اقتصاد، وكذلك الحلم اقتصاد، وأنت لستَ حراً، ولن تكون مستقلاً بقرارك، إذا لم يكنْ معكَ مال.. ومن يقل لك من المطربين أنه يعاني مادياً، فقلْ له: «كذابْ ابن كذابْ». وحتى الموسيقيون، الذين يعملون حفلات، ينطبق عليهم التكذيب نفسه.. وهناك مطربون صار عندهم بنايات ووو..
مسرحية «نزل السرور»، أهميتها، أنها عُرضت قبل الحرب اللبنانية، وجاءت كنبوءة، لما سوف يحدث لاحقاً من أحداث، على الرغم من أنني لم أكن راضياً عن اللغة التي جاءت بها. كان عمري وقتها 17 سنة، وكنت أقرأ الصحف حديثاً. ووقتها صرت أميّز معنى اليسار ومعنى اليمين، والمتطرف والأحزاب والشيوعية.
مشكلة فيروز مع الإعلام، أنها حذرة منه، وتخاف من وسائل الإعلام، وتشكّ بالعالم. وهي معتادة، في مسيرتها مع الرحابنة، أن تبقى ساكتة، وهم يعبرون عنها.. «هيّيْ هيكْ متعوّدة».
الحرب لم تخرج من داخلي أبداً.
أنا مشهور أني أقاطع المحاور، في حواراتي، وتعوّدوا هكذا عليّ.
في لقاء له سأله المذيع: «شو بتنصحْ الأجيال، اللي بدها تجيْ؟»
أجابه زياد: «بنصحها ما تجيْ».
عام 1998 وعيت على رقم 40 سنة.. وبعدها جاءت الـ50 سنة، وبعدها الـ60 سنة.. والعمر عمْ يكرجْ.
الناس مهووسون بالفيسبوك. يمشون في الشوارع، تائهين، وبأيديهم أجهزتهم، ولا يعرفون إلى أي اتجاه رايحين.
الفيس بوك، كأنك نازل بالسيارة، على السوق، أمّا الواتس فكأنك راكب طيارة.
على تويتر، أحد المواقع باسمي، ويتابعه 35 ألف متابع، وهو ليس لي.. أيضاً توجد مواقع كثيرة باسمي. ينتحلون صفتي، ولكن ماداموا لا يؤذونني، وينْ المشكلة؟ أحد المنتحلين لاسمي، و«عاملْ موقع» باسمي. والشخص بأميركا. والموقع مهمّ. تفاوضت معه، أن يعطيني إياه، الموقع الذي هو باسمي بالأساس، فطلب مني 150 ألف دولار. قلت له «يفتحْ الله».
بفترة من الفترات، دخلت بحالة كآبة، وتساءلت، حينها، إذا أنا اعتزلت، فبماذا أستطيع العمل؟. وتأكدت أني لا أعرف شيئاً، غير الموسيقا.
ندمت أني نسقت مجلات كثيرة، كتبتْ عني مقالات وأخباراً، على اعتبار أن هناك مواقعَ الكترونية، تسحب كلّ ما يُكتب عن الفنانين.
أهم شيء بالعالم «المرأة»، حتى إن كلّ حروب العالم كانت بسببها.
لست ضدّ الزواج المدني، ولكن الدولة لا تعترف به. وهي قضية ثانوية أمام مشاكل أكبر، مثل الكهرباء والماء والزبالة.. وغيرها.
هناك فنانون، نظرتهم للفن، أنه للتسلية، ولترفيه الناس فقط.
صباحاً، أستمع عربي برازيلي فرنساوي انكليزي، ومؤخراً ألماني.
أما فيروز فلا تستمع لأغانيها صباحاً. تحبّ سماع الموسيقا الكلاسيكية والإذاعات.. وفي كل غرفة عندها إذاعة.
وعن العروس التي يرغب فيها قال: أن تكون سورية أو فلسطينية. وأنْ يبدأ عمرُها من الـ40.. ويجب أن يكون هناك فارق بالعمر، بين المرأة والرجل، نحو 15 سنة، ولا أتمنى أن أصبح أباً.. وإذا حصل وجاء، أتمناه بنتاً واحدة أو صبياً. المهم ولد واحد فقط.
هذا الجيل لا يعرف عني إلا اسمي: «زياد الرحباني»، وهو فنان من زمن الحرب، وأمه فيروز، فقط هذا ما يعرفه أبناء هذا الجيل عني.
اعتبر الكتابة نضالاً، وأنا موظف بالجريدة، كرمال المعاش، اشتغلت بالجريدة، وكان عمري 56 سنة.
لا أحبّ الأرقام المزدوجة، وأحبّ الرقم 7. والانتخابات والترشح للنيابة لها ناسها.
مَنْ نشرَ صورة غيفارا في العالم، كانوا جماعة ماكدونالد الذين احتكروه. وكانت النساء تحبّ غيفارا على شكله.
مشكلتنا بالبلد، ولا مرة كانت المقاومة. مشكلتنا مع الذين يريدون إزاحة المقاومة. وإسرائيل هي العدو الرئيسي ومشكلتنا الكبرى كانت وما زالت هي هذه الإسرائيل، الكيان المحتل.
وعن أميركا: تاريخ نشوء أميركا، ليس أفضل من نشوء لبنان. هناك شيء ما يربط الشعوب ببعضها. دولة أميركا أرض، جاءها ناس، من كل بلاد العالم، من زمان، وما زالوا يتوافدون، أرض ليست لهم، وبالأساس هم ليس لهم أساس، «وهيك» تشكلت أميركا.
ليس هناك في دول العالم شيء اسمه ديمقراطية. وليس مهماً أن يكون هناك ديمقراطية.
سألوا مصري لماذا أنتَ لستَ مع شعار: «يا عمال العالم اتحدوا»؟ فأجاب: «ليه هُمّ سايبينا نتحد؟».
نيشان قال عنه: إذا زياد طلعْ على المسرح فقط، وتطلع فينا، وما حكى شي، ونزل، سيصفق له الجمهور، وسيكبر به ويشمخ..
المخرج مروان نجار، قال عنه: زياد ضمير الشعب، وهو سيد المسرح الشعبي.
أما آراء الشارع فأكدت: إن زياد أكثر من فنان.. وهو جريء.. و«بيخبّص كتير، لكنه يبقى زياد.. وقيمة فنية كبيرة.. وامتداد أصيل لحالة الموسيقا والفن والثقافة في لبنان.. وله حضور راسخ.. وهو أحد قادة الرأي العام بالبلد.. يكمل ينابيعَ الفنّ العريقة بلبنان.. وأخيراً.. «ما حدا عمْ يفهم عليه…».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن