قضايا وآراء

استهداف القوات الأميركية في سورية

| تحسين الحلبي

أصبح من الواضح أن القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما باحتلال جزء من المناطق في شمال شرق سورية بحجة مجابهة المجموعات الإرهابية كان هدفه مزدوجاً الأول هو إبقاء وجود هذه القوات وزيادة عددها وتوسيع وجودها إذا ما تمكنت المجموعات الإرهابية من إسقاط الدولة السورية والسيطرة على مصادر الثروات الطبيعية فيها وعزلها عن سلطة الدولة السورية في حال انتصار الجيش السوري في مجابهة الإرهابيين.
لذلك أصبح معظم المسؤولين في الإدارة الأميركية يعلنون هذا الهدف زاعمين أن مجموعات داعش ما تزال موجودة وتعيد بناء نفسها، على حين أن هذه القوات الأميركية تقوم بتجنيد وتدريب عدد متزايد من الإرهابيين الذين يستهدفون الجيش السوري في تلك المنطقة، وقد ظهر جلياً وجود موقفين في الإدارة الأميركية أحدهما موقف قيادة الجيش الأميركي ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية الذي يريد بقاء هذه القوات حتى تحقيق الأهداف المرسومة لها، والموقف الآخر يمثله الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي دعا في أكثر من مناسبة إلى انسحاب هذه القوات بالتدريج.
حين أعلن ترامب في العام الماضي انسحاب عدد من هذه القوات تعارض موقفه مع وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس وأجبر الأخير على تقديم استقالته وتمكن جنرالات الجيش الأميركي ووزير الخارجية مايكيل بومبيو من فرض موقفهم المتمسك بوجود هذه القوات، وفي 11 كانون الأول الجاري أعرب وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر والجنرال مارك ميلي أثناء استدعائهما لتقديم الرأي في لجنة الشؤون العسكرية التابعة لمجلس النواب عن تمسكهما باستمرار «وجود هذه القوات لسنوات كثيرة» بموجب ما نشرته وسائل الإعلام الأميركية.
وزعم الاثنان أن السبب يعود إلى استمرار وجود مجموعات داعش رغم أن ترامب كان قد أكد في تصريحاته بمناسبات عديدة «انتهاء وجود داعش» وهزيمة مجموعاتها على يد «القوات الأميركية» على حد رأيه! واعترف أن استمرار وجود القوات الأميركية الآن سببه السيطرة على نفط وغاز سورية في تلك المنطقة وليس داعش، وقدم إسبر وميلي شهادة أمام لجنة الشؤون العسكرية زعما فيها أن: «مجموعات داعش ستنشط داخل الولايات المتحدة إذا انسحبت القوات الأميركية من شمال شرق سورية»!
في ظل هذا الاختلاف حول الوجود العسكري الأميركي في الأراضي السورية يرى ميشيل أوهانلون وهو أحد مديري مراكز الأبحاث الأميركية في تحليل نشره في مجلة «بروكينغز» أن هذه المسألة وعدم إعلان واشنطن عن موعد انسحاب هذه القوات سيؤدي إلى «استهداف عسكري للوحدات الأميركية من قبل مجموعات مسلحة متنوعة قد تعمل بإمرة الجيش السوري أو إيران أو روسيا» واستذكر أوهانلون كيف انسحبت القوات الأميركية من بيروت عام 1983 بعد استهدافها بعمليات مسلحة تسببت إحداها بمقتل 241 من قوات المارينز بلحظة واحدة، كما استذكر انسحاب الوحدات الأميركية من الصومال بعد مقتل 18 جندياً وإصابة 73 بجراح عام 1993.
يرى أوهانلون أن الظروف التي ينتشر فيها مئات الجنود الأميركيين في تلك المنطقة في سورية تتيح للمجموعات المعادية للولايات المتحدة بتوجيه الضربات العسكرية لها وفي مواقع متنوعة ويعترف أوهانلون أن الجيش الأميركي لن يكون بمقدوره تحقيق قدرة ردع كافية لمنع العمليات العسكرية ضده.
في الوقت نفسه يلاحظ الجميع أن الإدارة الأميركية لم تعد تجد من يساندها من الدول الأوروبية في أي حرب قد تتسع رقعتها في أي مكان تتمركز فيه أو تحتل فيه القوات الأميركية أراضي في المنطقة، وفي منطقة حدود تركيا والعراق وسورية تزداد مظاهر ومشاعر العداء للوجود الأميركي ولكل من يتحالف من المجموعات المحلية معه، فالجمهور السوري والعراقي أصبحا يشكلان أكبر جبهة معادية لاستمرار الوجود الأميركي وخاصة سورية بعد تحقيق انتصارها على المجموعات الإرهابية وانتقالها في المرحلة المقبلة إلى العمل على تصفية الوجود العسكري غير الشرعي الذي غزا أراضيها من تركيا والولايات المتحدة ومن المؤكد أن عام 2020 المقبل سيشهد هزيمة وانسحاب هذه الوحدات العسكرية الأميركية والتركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن