انتصر الشباب في مناسبتين الأسبوع الماضي، إذ انشغلت وسائل الإعلام بخبر فوز ومن ثم تولي الفنلندية سانا مارين (34 عاماً) رئاسة الوزراء في فنلندا، باعتبارها أصغر رئيسة وزراء في العالم، وبتزامن اختارت مجلة «تايم» في استفتائها السنوي التقليدي، الناشطة البيئية غريتا تونبرغ (16 عاماً) كـ«شخصية العام»، وذلك لأسباب كثيرة، بينها على الأرجح المواجهة العلنية المستمرة بينها وبين الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وقد علق على الحدث الثاني عالم الاجتماع في جامعة «كينت» البريطانية فرانك فوريدي باعتباره من دلائل وجود «أزمة اجتماعية عميقة في الغرب» من بين إشاراتها رغبة البالغين «في الاستماع إلى المراهقين بدلاً من أنفسهم».
واعتبر الكاتب بمقال لموقع «روسيا اليوم» أن هذا «التتويج» أشبه بـ«مكافأة دعائية»، بدلاً من كونه تقديراً لتأثيرها العالمي كما يفترض بالجائزة أن تكون منذ عام 1927.
إلا أنه لا يغفل أن التوجه قائم للتركيز على الشباب، و«حكمة الطفل» في ظل تزايد ارتباط الكبار بالخصائص السلبية، الذي ينمو بالتوازي مع شعور البالغين بعدم قدرتهم توفير التوجيه الرشيد للشباب. -فوفقاً للكاتب- «يبدو الجانب الآخر من تآكل سلطة الكبار هو الميل إلى التوجه إلى الشباب والمراهقين بحثاً عن حلول وإجابات».
ولكن هذا من جانبه يعكس مرة أخرى، فرصة للسياسيين لفعل ما يجيدونه بشكل فطري وهو استغلال الموقف، وتتويج المراهقين وصغار السن مقابل تأمين استمرارية حكم المؤسسات التي تحميهم.
وقد حصلت المتمردة والمهووسة بموضوع حماية البيئة تونبرغ على التقدير الإعلامي وباتت عباراتها تستخدم في التظاهرات العالمية، والمحلية الطابع، وجميعها تلقي المسؤولية على «الكبار» في تدمير كل شيء.
الأمر الذي دفع رئيس كلية السياسة في جامعة كامبريدج ديفيد رانسيمان لدعوة صغار السن الذين لا تتجاوز أعمارهم 6 سنوات للمشاركة في التصويت، لأن «عدد كبار السن أصبح أكثر بكثير من الشباب، وهو ما يؤدي إلى أزمة ديمقراطية حقيقية يجب تصحيحها».
كما يأتي الأمر انطلاقاً من عبارة تونبرغ الشهيرة «بما أن قادتنا يتصرفون كالأطفال، فيستعين علينا تحمل المسؤولية التي كان يجب عليهم تحملها منذ فترة طويلة».
لذا يرى الكاتب البريطاني فوريدي: «إن تشجيع الأطفال على التمرد ضد الكبار غير المسؤولين، هو النتيجة الحتمية لروح إلقاء اللوم عليهم، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يدفع بالإمكان إدراك أن المجتمع في أزمة عميقة، حينما يلقي بمسؤولية تحديد مستقبل المجتمع على أطفال في عمر 6 سنوات، ولا يتعلق الأمر فقط بالخطوط التي يجب رسمها بين الأجيال».
وربما تجسدت هذه الأزمة بشكل عملي، بانتصار السياسية اليافعة سانا مارين في انتخابات بلادها، وخصوصاً أننا نتحدث هنا عن البلدان الأسكندنافية التي تتحلى بمرونة سياسية، وتركز بشكل متراكم على مواضيع البيئة والعدالة الاجتماعية والعدل.
وقد أكدت مارين التي بدأت العمل السياسي وهي في العشرينيات، بمقابلة هذا الأسبوع أنها اهتمت بتغير المناخ، وخالجها شعور «بأن الجيل الأكبر لا يوليها الاهتمام الكافي» وهو ما قاد لاكتساحها مناصبهم.
لكن هذا يبقى في طور التجريب، في ظل حكم مؤسسات عميقة التأسيس في بنية المجتمعات الغربية، ولكن من دون إغفال تأثيره بمستقبل أوروبا بشكل خاص.
وربما، ربما يشكل مصدر إلهام، لمجتمعاتنا العربية التي تتمسك بالقول: «اللي ما عنده ختيار بالبيت، يحط قرمه».