قضايا وآراء

عصابات «الجوكر»

| أحمد ضيف اللـه

مصمم أشك أنه عراقي كما يُشاع، ألهمته شخصية «الجوكر» من فيلم أميركي يُعرض حالياً في صالات السينما، حيث بطل الفيلم ممثل كوميدي يمر بمشاكل وضغوط نفسية، يقرر الخروج عن القانون، مقتحماً مدينته بفوضى وعنف مفرط، مقدماً رقصاته على وقع إطلاق النيران في الشوارع. فقام المصمم ، العراقي، بتركيب صورة «الجوكر» على عدد من الصور التي التقطت خلال المظاهرات العراقية، مظهراً هذا «الجوكر» وهو يرقص وسط المتظاهرين غير مبالٍ بالرصاص الذي يطلق عليه، وقد أدى ترويج هذه الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى قيام المئات بتبديل صورة حساباتهم بصورة «الجوكر»، ولينتشر بعد ذلك شبان في ساحات التظاهر يتقمصون الشخصية واضعين أقنعة «الجوكر» على وجوههم، ناشرين الفوضى بالتكسير والتخريب والحرق، قاذفين القوى الأمنية بالزجاجات الحارقة، وهم يصرخون ويرقصون ويغنون، حيث بات «الجوكر» القاتل الهستيري والمريض نفسياً مصدر إلهام وتوجيه للتظاهر «السلمي»!
في الـ12 من كانون الأول الجاري، قتل شاب عراقي لا يتجاوز عمره الـ16 عاماً وحرق منزله في ساحة الوثبة ببغداد حيث تتجمع أعداد من المتظاهرين، ومن ثم قام العشرات منهم بالتمثيل بجثته وطعنه بالسكاكين وسحله بعد مقتله، ثم نحره وتعليقه من قدميه في عامود للإشارة الضوئية، وسط هيجان وتهليل هستيري، وتدافع لالتقاط الصور لعملية القتل والتنكيل البشع بالضحية. وعلى الفور سوقت الفضائيات المشبوهة والمواقع الإلكترونية التي على شاكلتها، أن القتيل هو قناص قام بقتل 9 متظاهرين، لتعود لاحقاً إلى تلاوة بيان تبريري لمتظاهري ساحة التحرير يشيرون فيه إلى قيام «أحد الأشخاص من سكنة منطقة ساحة الوثبة وهو تحت تأثير المخدرات بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين وقتل عدد منهم، ما دفع البعض إلى مهاجمة منزله وحدث ما حدث».
إذا كان القتيل «تحت تأثير المخدرات»، فما التوصيف للعشرات ممن مثلوا بجثة القتيل فرحاً لساعات. ومما يؤلم أنه تبين لاحقاً أن مشادة كلامية كانت قد حدثت بين الضحية وبعض المتظاهرين أمام منزله، تطورت إلى مشاجرة أدت إلى مقتله وحرق منزله، وأنه لم يقتل في المكان أي متظاهر سوى المغدور.
ما من عراقي داخل العراق أو خارجه، سواء كان معادياً للأحزاب السياسية المتقاسمة للحكم والسلطة أو منتمياً لها أو مستقلاً، إلا وكان مؤيداً وداعماً لعشرات الآلاف ممن تظاهر في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية احتجاجاً على سوء الخدمات العامة والبطالة وتفشي الفساد، مؤمناً بضرورة وأهمية تقويم العملية السياسية وإصلاحها، ولكن ما أن حاد المتظاهرون عن المطالب الأساسية، ونادوا بإسقاط النظام والعملية السياسية برمتها، حتى أوقف الكثيرون دعمهم، وخاصة بعد استهداف كل من كان له دور مؤثر في مساندة القوى الأمنية العراقية في تصديها لتنظيم داعش وكسر ظهره والانتصار عليه، كالمرجعية الدينية في النجف التي بدعوتها إلى «الجهاد الكفائي» حشدت مئات الآلاف من المتطوعين لقتال تنظيم داعش، وكفصائل الحشد الشعبي التي ببسالة متطوعيها وغزارة دمائهم انتصرت على قوى الإرهاب وداعميه.
من يتتبع خريطة أعداد المتظاهرين في العراق منذ الـ25 من تشرين الثاني الماضي وفق البيانات اليومية لخلية الإعلام الأمني الرسمية، يجد أن أقصى عدد للمتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد وباقي المحافظات العراقية التسعة وصل إلى 127 ألف متظاهر، وسيلاحظ أن كل الدعوات التي أطلقت لتظاهرة مليونية في أيام الجمع التي أعقبت ذلك التاريخ بكل تسمياتها، فشلت في تحقيق ذلك، بل أن أعداد المتظاهرين كانت تتناقص في تلك الجمع. وحتى لو افترضنا أنهم كانوا مليون متظاهر، فإنه بعد السلوك الذي شاهده العراقيون وتابعوه بأم العين وليس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو الفضائيات بمختلف توجهاتها، أن يكونوا هؤلاء ممثلين لـ38 مليون عراقي.
الدستور الذي منحهم الحق بالتظاهر والاحتجاج، لم يمنحهم الحق بالتعدي على الكوادر الطبية والتعليمية وإهانتها، ولا الحق في إيقاف مسيرة التعليم بالقوة، ولا إجبار المؤسسات العامة الخدمية على الإغلاق تحت شعار «مغلق باسم الشعب»! كما لا يمنحهم الحق في تعطيل مصالح المواطنين بإغلاق الطرق والجسور، وتهديد أصحاب المصالح الخاصة والتجارية بإحراق منشآتهم إن لم يستجيبوا لدعوات التعطيل والإغلاق، وغيرها الكثير من الأمور الغريبة والمعيبة، متبعين سياسة «الجوكر» وليس سياسة التظاهر السلمي.
جريمة ساحة الوثبة ليست الأولى، فقد سبقتها جرائم كقتل القائد في الحشد الشعبي وسام العلياوي وأخيه، وحرق جثتيهما والتمثيل بهما، وكحرق مجمع مرقد آية الله محمد باقر الحكيم في النجف بمكتباته وكتبه النفيسة، ومحاولة تهديم القبر ونبشه، وهي جرائم لم يسبقهم فيها أحد سوى مجرمو داعش. هذه الأفعال الشنيعة وغيرها التي لا تمت للإنسانية بصلة، أشرت إلى أن المتظاهرين السلميين مشلولون، تتحكم بهم عصابات «الجوكر» من قتلة ولصوص وقطاع طرق وعملاء دول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن