في جلسة سمر نادرة، بسبب الأحوال القاهرة، اجتمعت ببعض الأصدقاء، مع حلول فصل الشتاء، وفتحنا سيرة الغلاء.
سألني أحد الأصدقاء عن سبب البلوى والاكتئاب والشكوى والارتياب، ولماذا أكتب عن التفاؤل والسعادة، ونحن تعساء بحكم العادة؟
أما التفاؤل يا سيدي فسببه معروف، ولا أكشف سراً فكل شيء على المكشوف، وكما يقول المثل: «اللي بيعيش بيشوف» فقد اقتنعت بالفلافل بدلاً من لحم الخروف، وبدل المحاشي اقتنعنا بالملفوف.
والسعادة تأتي من حكمة السعدين (أي القرود) إن أردت أن تعيش براحة، فاستغنِ عن الصراحة، فلا ترى شيئاً ولا تسمع، وتغلق فمك وعنك الشر ادفع، فأنت بذلك تعيش دهراً وإن عاندت رأيت نفسك في فوهة مدفع! وعقلك برأسك تعرف خلاصك.
إياك أن تتحدث يوماً عن الفساد، وعن أي شأن من شؤون البلاد، فالفاسد يده طويلة، وأنت لا يوجد في يديك حيلة، فيصبح الحق باطلاً، والباطل يصبح حقاً بين يوم وليلة، وليلة ليلة ليلة، ليلة يا ليلى!
هي نصيحة لكل من تسول له نفسه انتقاد التجار الفجار، فالتاجر الفاجر شريك الفاسد، والفاسد الفاجر، شريك المقابر!! ولا أقصد بأن كل التجار فجار، وإنما أقصد جميع الفاسدين الشطّار الذين يسرقون الكحل من العين في وضح النهار، ويسببون لأدمغة الفقراء الانفجار والزمهرير والنار.
لا أفضل انتقاد المسؤولين، ولا من اخترع التقنين، وسأكتفي بالدعاء ليل نهار بأدعية يستحقونها، وصفات يتقمصونها، ولن أفصح عن هذه الدعوات كي أجنب نفسي العقوبات، ولكنني على استعداد لإعطاء دروس خاصة في كيفية انتقاد المسؤولين من دون أن يتركوا أي دليل على عقوقهم للحكومة المهضومة، وهل توجد هضامة أكثر من حكومتنا المهضومة التي احتكرت كل الهضامة والمكسرات والقضامة.
سألني: كيف يعيش العباد فالرواتب قليلة، والزيادة الرئاسية شفطتها الأسواق، وارتفاع الأسعار وطمع التجار؟ وقالوا: الراتب لا يكفي ثلاثة أيام، حرام عليكم يا ناس، المبالغة غير مستحبة، فأنا شخصياً ظل الراتب صامداً في جيبي خمسة أيام بالتمام والكمال، والسبب غاية في البساطة، وهو – كما أسلفت أعلاه – شطبت اسم اللحمة من قاموسي حتى إشعار آخر، واكتفيت بوجبة واحدة يومياً، إلا إذا أحسن علينا المحاسبون ومنحونا مكافأة أو حوافز معقولة.
ونصيحة جديدة للموظفين في الأرض، إياكم أن تتركوا حساباتكم بلا دفاتر وتسجيل الصادر والوارد، وهناك دفتر اسمه الدفتر الأستاذ يعرفه كل من درس التجارة، تسجل فيه حركة الوارد والصادر، وهناك دفاتر لدى التجار الفجار تقدم لوزارة المالية لحساب الضريبة، وهذه الدفاتر تسجل أرباحاً ضئيلة للتاجر، على حين الدفاتر التي تسجل فيها الأرباح الحقيقية فهي مخبأة في الأدراج السوداء، لذا نجد الموظف يدفع ضريبة دخل أكثر مما يدفع تاجر فاجر.
نحن في حالتنا لا نحتاج إلى دفاتر حقيقية وأخرى كاذبة، فضريبتنا محسومة سلفاً، لذا ما علينا إلا تسجيل «وارداتنا» وما شاء اللـه على هذه الواردات، ومن ثم نحسب الصادرات، أي المبالغ التي ستغادر جيوبنا وسط حزن عميق كحزن يعقوب على يوسف، هنا يبدأ اقتطاع بعض المبالغ للطوارئ! وبهذه الطريقة الفذة أعدكم أن يكفيكم الراتب حتى العاشر من كل شهر، أو أقل من ذلك أو أكثر، المشكلة أننا طماعون ومبذرون ولا نعرف كيف نتدبر أمورنا، فكروا جيداً وستعيشون في رخاء وبحبوحة، وكأننا في المرجوحة، وكذب من يقول إن حياتنا شرشوحة.