ثقافة وفن

«ثقافة الأطفال في زمن الحرب» … وزير الثقافة: هدف المؤتمر هو طرح الأسئلة وتلمس الأجوبة المناسبة لها

| جُمان بركات –تصوير طارق السعدوني

خصص المؤتمر الثقافي السوري هذه السنة لثقافة الأطفال في زمن الحرب، وماذا حل بها وبهم، وكيف يمكن معالجة الشروخ والتصدعات التي أصابت هذه النفوس الغضة بعد ما شاهدوه من بيوت لهم تنهار، وإخوة وأهل وأصدقاء لهم يموتون أو يصابون بعاهات دائمة وبرعب دائم من الموت يلاحقهم أينما حلوا.

وتحت رعاية المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء، افتتح المؤتمر الثقافي السنوي الثاني بعنوان: «ثقافة الأطفال في زمن الحرب» وفي كلمته قال وزير الثقافة السيد محمد الأحمد:
موضوع الطفولة كان وسيظل على الدوام موضوعاً ملحٌّاً ومؤرّقاً، فكل منا أب أو أم، ولديه أطفال يحرص عليهم وعلى حمايتهم برموش العين، هذا هو الحال في الأوضاع السلمية العادية، فكيف يكون في أوضاع حرب كونية شرسة تشن علينا بلا هوادة؟ لهذا اخترنا عنواناً لمؤتمرنا: «ثقافة الأطفال في زمن الحرب».
لقد مرت تسع سنوات ونحن نرزح تحت وزر هذا الحرب الظالمة، ومن ولد في بداية الحرب شارف الآن على التاسعة من العمر، أي إنه منذ أن فتح عينيه على الدنيا وهو لا يرى أو يسمع شيئاً سوى أجواء الحرب وكوابيسها، ومعروف أن انطباعات الطفولة هي أقوى الانطباعات، وهي تلازم المرء مهما تقدم في السن.
ماذا علينا أن نفعل كمثقفين ومربين ومفكرين من أجل إعادة الثقة بالحياة إلى هذه النفوس الغضة الجريحة، وما البرامج التي ينبغي أن نضعها كي ننقذ أطفالنا من كوابيس الحرب وجحيمها، ولكي نعوضهم عن مدارسهم التي هدمت، وبيوتهم التي دمرت، وقراهم وأحيائهم التي اضطرتهم الحرب إلى هجرها، وسنوات عمرهم التي أضاعوها وهم يبحثون عن مأوى آمن ومستقبل زاهر؟ لا أدعي أننا في هذا المؤتمر سنحل كل ما ذكر من مشاكل، فهذا أمر غير ممكن، إن هدف مؤتمرنا هو طرح الأسئلة وتلمس الأجوبة المناسبة لها، لأن المهم، برأيي، لدى معالجة أي قضية، هو طرح الأسئلة الصحيحة المتعلقة بها.

مواكبة الطفل
وفي كلمة المشاركين قالت لينا كيلاني:
ها هي وزارة الثقافة هذه المؤسسة الثقافية العريقة التي تحمل قناديل الضياء يعود مؤتمرها السنوي لينعقد اليوم، ولكن تحت عنوان عريض وواسع وعلى درجة كبيرة من الأهمية ألا وهو «الطفل وثقافته» ومنذ أيام قليلة كان الاحتفاء بكتاب الطفل بل كان احتفاءً بالطفولة عموماً بعوالمها المختلفة من خلال المعرض كتاب الطفل.
إن عالم الطفولة الآن بات عالماً شمولياً لا يضم الكتاب فقط بل أصبح لا ينفصل عن السينما والمسرح والدراما التلفزيونية والغناء والرقص والموسيقا والتشكيل وحتى الألعاب أيضاً بما فيها تلك الإلكترونية وصولاً إلى المدن الترفيهية وغيرها، وهذا ما يجعل منافذ الوصول إلى الطفل كثيرة ومتعددة، ويبقى السؤال: ما السبل للوصول إلى هذه المنافذ؟ وكيف سيكون خطاب الطفل الذي تعرض إلى أهوال الحرب؟ وما هذه النظرة الجديدة التي علينا رسمها بمفهوم جديد لواقع الطفل بعد سنوات من الهدم؟ وما تأثير المعاصرة على طفل اليوم بعد سواد العولمة وتفجر الثورة العلمية وتخطي الأسوار والأسرار وصولاً إلى الحقائق التي يشترك فيها أطفال العالم كلهم؟ أما الإجابات حول هذه التساؤلات وغيرها فهي رهن مؤتمرنا هذا الذي اختاره أهل الاختصاص ليطرحوا الآراء ووجهات النظر.
بل إنه دور مثل هذه المنابر التي نقف فيها اليوم في إعادة تشكيل الوعي الثقافي والفكري للمجتمع من جديد، والارتقاء بالمتلقي وضبط الأنغام النشاز إذا ما صدحت داخل الجوقة.

الآثار النفسية
لقد خلفت الحرب آثاراً نفسية على الأطفال وبدوره قال: د. عيسى الشماس: إن الحرب مهما كانت طبيعتها وأهدافها، لابد أن تترك وراءها الكثير من الأثار السلبية على مشاعر الأطفال، وطبيعتهم النفسية والعاطفية، وقد نشرت منظمة «أنقذوا الطفولة» عام 2017 تقريراً جاء فيه: إن الحرب في سورية خلّفت آثاراً نفسية عميقة لدى كثير من الأطفال، وزادت خطر الانتحار وأمراض القلب والسكري والاكتئاب وتعاطي المخدرات.
وفي دراسة ميدانية أجرتها علياء أحمد على عينة من الأطفال السوريين النازحين في صحنايا بريف دمشق، أظهرت أن الأطفال يجابهون مخاوف كبيرة تمنعهم من عيش طفولتهم بشكل طبيعي، وهم تحت تأثير الصدمات النفسية، وعن واقع المعالجة النفسية للأطفال، فثمة فرق عديدة من المختصين بعلم النفس والاجتماع والمجتمع المحلي، تطوعوا لتقديم الدعم النفسي للأطفال بأشكال متعددة، بما يتناسب مع أعمارهم وحالاتهم النفسية سواء كانوا في مراكز الإيواء أم في المدارس والأحياء، بالاعتماد على طرائق عدة مثل الرسم والقراءة والفنون المختلفة إضافة إلى أنشطة الدعم الاجتماعي والأسري، وهذا يتطلب التوسع في مجال الدعم النفسي والاجتماعي من حيث الفرق والمراكز في المدارس والأحياء وتجمعات الإيواء والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.

البرامج التعليمية
لقد أجبرت الحرب الأطفال على ترك الدراسة والعمل من أجل سد الثغرات التي أنتجتها في البرنامج التعليمي للأطفال، وبدورها قالت أ. إلهام محمد: في إطار الجهود التربوية التي تبذلها وزارة التربية لتحسين مستوى التحصيل الدراسي لجميع التلاميذ واستناداً للسياسة التعليمية فيها المبنية على أساسيات المعرفة عملت وزارة التربية على الاستمرار بالعملية التربوية ومواجهة التحديات للتخفيف من آثار الأزمة على الأطفال والشباب من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات والقرارات وتنفيذ المشاريع التعليمية لتعويض الفاقد التعليمي للطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة بسبب الظروف الراهنة.

جهود الوزارة
وعن إعادة تأهيل الأطفال المتضررين من الحرب في مراكز اللجوء، سردت أ. نهلة السوسو الجهود التي قامت بها وزارة الثقافة رغم كل الصعوبات والمعوقات عبر مديرية ثقافة الطفل لإشعاره بالأمان والفرح والأمل، وهي جهود أثمرت كل ما هو إيجابي وطيب، وساعدت الأطفال على استقبال أيام السلم بعد انحسار الإرهاب وعودة الحياة الطبيعية ولو بالتدرج، وقالت: لماذا الأطفال؟ لافتة أن أول شعارات حربهم على سورية كان لا دراسة ولا تدريس، تلا تهجير العلائلات من مناطق سكنها، الاضطراب التدريسي بكل تجلياته من فقدان موقع المدرسة إلى فقدان المعلم إلى الاستقرار المطلوب لتحصيل الطفل المعرفة والاستمتاع بطفولته وهوياته، بالإضافة إلى وقوعه بشكل مباشر ودون أدنى شروط الحماية النفسية من العنف في تجربة مشاهدة القتل والذبح والتعذيب وفقد المقربين ما جعل نظريات علم النفس في تجنب الطفل العنف المنزلي مزحة خفيفة.

نشاطات الأطفال
وهدف بحث أ. سهى بسيسيني إلى التعرف على الأنشطة ودورها في اكتشاف الموهوبين ورعايتهم، وبيان أهمية تخطيط الأنشطة وتنويعها في اكتشاف الموهوبين وأنواع ذكاءاتهم، والتعرف إلى أدوات اكتشاف الموهوبين والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، وتكمن أهمية البحث في كيفية التعرف على الطفل الموهوب وخصائصه بهدف اكتشافه ورعايته من خلال توظيف نظرية الذكاءات المتعددة وتقديم الأنشطة المناسبة له، وصولاً إلى الاهتمام بنوعية البرامج والأنشطة المقدمة للأطفال عامة والموهوبين خاصة.

ثقافة الطفل
وعن دور المراكز الثقافية والمعاهد في تنمية مواهب الأطفال قال: أ. نزار نجار:
ثقافة الأطفال ضرورة من ضرورات الثقافة الشاملة، وهي أيضاً من شروط التنمية الثقافية لدى المجتمع السوري، وكل تنمية ثقافية لاتضع في حسابها أو اهتمامها ورعايتها ثقافة الأطفال تعد ناقصة وتفتقر لجذورها، لذا لا بد من تأصيل ثقافة الأطفال ولابد من تدعيمها في إطار التربية والمجتمع والحياة السورية. تأصيل هذه الثقافة بحاجة إلى تخطيط شامل يدخل في صلب التخطيط القومي للثقافة العربية السورية، ويراعي في خصوصية الأطفال أولاً على اعتبار أنهم ادخار مضمون للمستقبل.

الخبرات الفنية
وعن دور الخبرات الفنية المبكرة في صقل ثقافة الطفل، تحدثت د. حنان نصر اللـه بالقول: تعتبر الخبرات التي يقوم بها الأطفال إحدى الوسائل التي يجدون ذواتهم من خلالها، ويعبرون فيها عن مظاهر طفولتهم، والطفل في فنونه يصقل شخصيته بأسلوب حر طليق يستطيع من خلاله أن ينطلق بخياله ليتغلب على نواحي القصور التي يعاني منها ومن القيود التي يفرضها عليه حدود الزمان والمكان فيقوم ببناء أفكاره والتعبير عنها كما لو كانت هناك حاجة ملحة تدفعه إلى ذلك لأن فنون الأطفال مرآة تعكس أحاسسيهم ومشاعرهم وتنبع من منطقهم الخاص فلا تخضع للقواعد والقوانين التي يخضع لها البالغون وإنما هي ترجمة لثقافة الأطفال بشكل عام وفي زمن الحرب بشكل خاص.

الإعلام الموجه للأطفال
وتحت عنوان: «الإعلام الموجه للأطفال أهدافه وأهميته وتأثيره التربوي على الطفولة» قالت الإعلامية هيام الحموي: يمكن تلخيص هذا المحور ببعض الأفكار أبرزها أنه لا يمكن معالجة موضوع الإعلام الموجه للأطفال من دون التعمق في الانعكاسات السلبية لانتشار التقنيات الحديثة بين أيدي الأطفال وأهاليهم، ومحاولة إيجاد طرق مبتكرة لتحويل المحتوى السائد في هذه الوسائل إلى محتوى مفيد له القدرة على اجتذاب اهتمامهم بقدر ماتجذبهم المحتويات المبرمجة بعناية فائقة من قبل أعدائنا، والساعية لإفساد نفوسهم الغضة، بحيث يحكم على مستقبل أجيالنا المقبلة بفساد لا رجعة عنه. أما بالنسبة لوسائل الإعلام التقليدية فهنا أيضاً لابد من طريقة مبتكرة لاستخدام قوالبها الجذابة التي أثبت نجاحها وفاعليتها بمضمون يخدم أهدافنا المستقبلية.

الكتابة للطفل
وفي مجال الكتابة للأطفال وخصوصيتها وأهميتها ومن يستطيع القيام بهذا الدور قالت أ. لينا الكيلاني: الكتابة للأطفال.. هل هي الحكاية التقليدية أم إنها القصة المعاصرة التي تقع في موازاة المرئي والمسموع، وكل ما أصبح متاحاً لطفل اليوم بعد الثورة التكنولوجية القائمة؟ بل إنه «أدب الأطفال» هذا الجنس الأدبي الذي نصفه بالسهل الممتنع والذي له شروطه وأسسه ومايجب على الكاتب أن يلتزم به ويتقن أداءه حتى يتمكن من أدواته، وهو يتسم كجنس أدبي يجمع إليه كل الأجناس الأدبية ويعتبر مصدراً هاماً من مصادر التعريف بمنظومة القيم وبث المعارف وتنمية المهارة اللغوية وإطلاق الخيال.

وسيلة تربوية
وفي مجال القصص الموجهة للأطفال وخصوصيتها كوسيلة تربوية قالت المربية مها عرنوق:
الكتابة عن الأطفال لها خصوصيتها، هناك الجرأة، والشجاعة وهناك الحرص على إظهار الحس الطفولي، هناك القرب من الأطفال والاطلاع على عالمهم وإدراك أحاسسيهم وأفكارهم والوسائل التي تؤثر فيهم، والمطلوب هو مخاطبة فكر خلاق لدى الطفل عن الحياة والعالم والإنسان.
قصص الأطفال عبارة عن فكرة أو موضوع له هدف، يمثل صورة الإبداع الفني التعبيري وتصاغ بأسلوب لغوي، وأهداف القصة هي إمتاع الطفل ومعالجة مشكلاته والعمل على تشكيل شخصيته، وللقصة دور فعال وإيجابي في النمو الانفعالي للطفل كالسرور والبهجة وتخفف من حدة التوتر والقلق. وعن فن إلقاء القصة يجب أن يكون الطفل بحالة نفسية جيدة، وأن يكون القارئ مرتاحاً ذهنياً وجسدياً، وأن يقرأ بصوت دافئ وحنون مع الأخذ بعين الاعتبار نبرات الصوت الملائمة لمقاطع القصة. وأنواع القصص الموجهة للأطفال هي: قصص عن عالم الحيوانات أو الطيور، وقصص تاريخية، وقصص الخيال العلمي والقصص الدينية، والقصص وحكايات الشعبية، والقصص الفكاهية.

الشعر
وفي مجال الشعر الموجه للأطفال كوسيلة لتغذية اللغة عند الطفل وفتح آفاق جديدة للمعرفة أمامه، قالت أ. جمانة نعمان: الشعر لغة لاتمنح نفسها بسهولة لأي كان، لكنها إن رضيت ومنحتها لأحد – وقد يكون هذا باكراً- فسوف يكون من الموعودين، هذا ما حاولت الوصول إليه من خلال تجارب طويلة عبر حالات متعددة لأطفال لديهم بعض موهبة، ولدى منشورات الطفل الكثير من هذه النماذج المبدعة لأنها سباقة دائماً، وربما استطعنا الوصول إلى البعض منها أو مما يشبهها وذلك للوصول معهم إلى منابع الإبداع المبكر ثم إنها محاولات تستحق التعب.

الترجمة
وتناولت سلام عيد فكرة تصورية عن نشأة اللغات الإنسانية، وأهمية الترجمة ودورها في مختلف جوانب التطور الإنساني والطفلي في عصرنا الراهن، وسألت ماذا نترجم للطفل؟ وعن أدب الطفل وثقافته بين مد الاتصال وجزر التواصل، والمشكلات التي تواجه أدب الأطفال.

الفن والأطفال
ومن أهم أهداف الفنون المقدمة للأطفال وأهميتها التربوية في بناء العالم الروحي للطفل قالت أ. لجينة الأصيل: تكمن أهمية هذه المرحلة فيما لها من أثر في تكوين الطفل العاطفي والعقلي والنفسي والتربوي والاجتماعي والتي لاتعود نتائجها عليه في تلك المرحلة فقط بل تتعداها لتعود على المجتمع على المدى البعيد. كيف تؤثر الرسوم في تكوين شخصية الأطفال؟ فهي توطد علاقة الطفل بتراثه وبحضارته في المجتمع ككل على المدى البعيد، وتعمل على تنمية الذائقة الفنية للطفل، والتنوع الفني في أساليب الرسم في كتب الأطفال يساعد الطفل على تذوق الفن وفهم الحركات وتقييمها، وتساعده على تحريض الخيال الإبداعي، وفي تثبيت المعلومة المرسومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن