ثقافة وفن

شبيه بحكماء صهيون

د. اسكندر لوقا :

في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون الشهير، الموجَّه للجيل القادم من اليهود الصهاينة وغير الصهاينة، سلسلة من النصائح التي يجب أن تكون جزءاً من عقيدتهم الدينية والدنيوية معا بينها، على سبيل المثال لا الحصر: اجعل من ابنك طبيبا لتسمم أعداءك، اجعله صحفيا لتضلل الرأي العام، اجعله رجل أعمال لتكتنز أموال العالم، خذ العالم بمالِك وبنسائك.. إلى آخر هذه المنظمة «التربوية» التي لا يمكن لأحد يؤمن بالشرف والانتماء إلى الإنسانية وإلى مفهوم المواطنة في بلده أن يسوق مثل هذه النصائح إلى أحد من أهل بلده أو من أهل بيته.
ولكن ماذا عن أحد الخبراء الظرفاء في التربية الذي وجه للآباء والأمهات نصائح لجهة جعل أولادهما قادرين على التكيف مع متطلبات المستقبل، وعلى نحو خاص في الأيام الصعبة التي قد يمرون بها لسبب أو لآخر؟
من نصائح هذا الخبير الظريف في التربية الذي امتنع عن نشر اسمه:
• اعط ابنك منذ الطفولة كل شيء يريده.
• إذا تفوّه بكلمات بذيئة اضحك.
• لا تقل لأحد أولادك أخطأت.
• دافع عن ابنك أمام غيرك ولا تكن إلى جانب الحق إذا كان الآخرون على حق.
• دعه يتفرج على الأفلام التي يختارها بنفسه.
في اعتقادي – هذا الظريف الخبير في التربية- أن تنفيذ هذه النصائح سيجعل من الأسرة التي تحرص على «مستقبل» أفرادها، مطمئنة على النجاح في حياتهم، وذلك من منطلق القناعة بأنهم سيكونون مزودين بما يساعدهم على العيش كما يشتهون.
واليوم، عندما يقرأ أحدنا واقع الأمر الذي أمامه، ترى بماذا يحكم على بائع هذه الحاجة أو تلك من الحاجات التي تحتاجها الأسرة لا متوسطة الحال بل الأدنى من هذا المستوى، بضعف السعر أو أقل بقليل على الرغم من عدم علاقتها بمعادلة ارتفاع الدولار، وربما كانت أصلاً مكدسة في مخزنه حتى يحين الوقت المناسب لاستغلال فرصة تتيح له الربح غير الحلال؟ وبماذا يفسَّر هذا الحقد الذي ينصب على شعبنا عمدا على خلفية ما تعلمه أحفاد حكماء صهيون في كتاب البروتوكولات؟
حين يكتشف أحدنا أن ما وراء الأكمة، مثل هذا الكمّ من النصائح التربوية، هل يحق له القول إن من يستغل حاجة الفقير أو متوسط الحال من أبناء وطنه، لا يختلف بالشكل ولا بالمضمون عمن جاء وصفه في سياق نصائح ظريف الخبراء التربوية إلى آباء وأمهات زمانه؟
مثل هذه العادات السيئة، الشبيهة بما ورد في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون، لم تكن يوماً معروفة في مجتمعنا قبل زمن الأزمة التي غدرت بنا وقضت على وهج التربية وما تحتضنه من مثل عليا. ترى ماذا حدث حتى تتدنى الأخلاق في بلدنا وبسرعة إلى هذا الحد؟
للكاتب والروائي والناقد الفرنسي مارسيل بروست «1871 – 1922» رأي مفيد في هذا الشأن. يقول: الطبيعة السيئة عادة ثانية لدينا لأنها تحول بيننا وبين معرفة الطبيعة الأولى التي هي مجردة من كل المساوئ قبل أن تصاب بداء الإدمان عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن