ثقافة وفن

تتحدث في زمن.. «صمت الألوان» … المخرجة كوثر معراوي لـ«الوطن»: لا أتعب من المحاولة ما دامت لي وجهة نظر

ديالا غنطوس :

ما بين «ضجيج الذاكرة» و«صمت الألوان»، ولد «فقط إنسان»، عناوين لأفلام تكشفت عنها موهبة كوثر معراوي، الكاتبة والمخرجة التي لم تتخلَّ يوماً عن الأمل مكللاً بالعمل، طموح جامح لا حدود له، فتح لها آفاق طالما حلمت بها في الصغر، بين كتب جدها المتناثرة بعشوائية ساحرة كما الحلم وبين واقع لا يشبه شيئاً من تصوراتها، سعت لتنسج من شخصيتها وعفويتها عالماً خاصاً يلامس الإنسان أينما كان.
وفي لقاء مع المخرجة كوثر معراوي تقول:

تقولين في مذكراتك أنك تعرضت لكثير من الإخفاقات وواجهت العديد من الأبواب الموصدة، ما الحافز الذي ولد لديك تلك الطاقة والقدرة على تجاوز تلك المرحلة، ودفعك لتكرار المحاولات المستمرة؟
أنا لا أتعب من المحاولة ما دامت لدي وجهة نظر أريدها أن تبصر النور، وبعد كل إخفاق أصادفه، أشعر بقوة كبيرة تدفعني لأعود وأبدأ من جديد، وكلما عدت اكتشفت أشياء جديدة لم أكن أعرفها، تبهرني وتزيد تصميمي وتطور رؤيتي، حتى إنني عندما كنت أتلمس استخفافاً ما بعملي أو رأيي أو نص كتبته، لا أملك سوى الابتسام رداً، وأعاود البحث عن باب أخر أحاول الدخول منه وإثبات ذاتي في عالم الفن.

بداية شغفك بالقراءة كان من غرفة جدك المملوءة بالكتب التي وصفتها بقولك «موزعة بشكل عشوائي وكثيف كأبراج صغيرة»، ما السحر الكامن في تلك الغرفة وكيف جذبت انتباهك بعشوائيتها لتخلق لديك طموحاً مستقبلياً؟
أول ما جذب انتباهي أنها لا تشبه أي غرفة نوم رأيتها سابقاً، غرفة يتوسطها سرير، جدرانها كتب، على أرضها كتب، وكل وما يحيط بك كتب، وهواها مملوء بالأدب والشعر والفن وووو… وأنا من النوع الفضولي، فكنت أقضي أوقاتاً طويلة مع جدي في غرفته، وغالباً ما كنت أجلس وأقلده في قراءة الكتب مع أنني لم أكن أفهم شيئاً مما أقرأه لصغر سني، وفيما بعد أعطتني هذه الغرفة مقدرة على التخيل والإلهام والغوص في عالم سحري أتجول فيه في زوايا مخيلتي لأكتشف مخزونها.

قلت إن الدراسة لم تكن في سلم أولوياتك بسبب نظام التعليم والقائمين عليه من مدرسين، هل تعتقدين أنه لو أتممت تعليمك الجامعي، لكنت صرفت النظر عن مجال الفن الشائك؟
هي كانت في سلم أولوياتي، حتى إنني كنت أملك طموحاً كبيراً ومضحكاً ورغبة في أن أدخل جميع الجامعات ودراسة كل شيء، ولكن في حينها لم أستطع احتمال أساليب التعليم التي يمتلكها المدرسون فكل واحد منهم يدرس على حسب مشاكله النفسية والاجتماعية، فيكون الطالب هو الضحية، وتلك الفترة كانت فترة العنفوان وتكوين الشخصية التي يجب أن تراعى حساسيتها بشكل كبير، وأقول لو أتممت الجامعة ومهما كانت دراستي أظن أنني سأحول أي مشروع في حياتي لمشروع فني حتماً.

حسب تعبيرك، المؤسسة العامة للسينما هي التي منحتك أول الفرص لإخراج موهبتك في الـتأليف والإخراج إلى العلن، هلا حدثتنا عن ذلك؟
كنت أعمل في أفلام المؤسسة لسنوات، فقالوا لي لماذا لا تقدمين لمشروع دعم الشباب، فقدمت لمشروع سينما دعم الشباب نص «ضجيج الذاكرة»، وكان في الأيام الأخيرة للموعد المحدد للتسليم، وهنا فكرت أن أقدم ككاتبة، نصاً آخر، وأرى النتيجة، وقدمت نصي الفيلمين القصيرين (ضجيج الذاكرة وفقط إنسان)، انتظرت وقتاً، حتى جاء الرد بقبول ضجيج الذاكرة ثم فيلم فقط إنسان، وكان الأستاذ محمد الأحمد هو الشخص الوحيد الذي وعد ووفى بوعده، ودون أي مجاملات أو محسوبية فهو لا يعرفني سابقاً، ربما يكون قد سمع باسمي بسبب عملي بأغلب الأفلام الطويلة في السنوات الأخيرة، فللمؤسسة العامة للسينما والأستاذ محمد الأحمد الفضل الكبير الذي لن أنساه ما حييت، بأن تحقق حلمي بتنفيذ أول عمل لي من سيناريو إلى فيلم وإعطائي فرصة الإخراج.

العديد من الشباب يعتبرون أن المؤسسة العامة للسينما لا تتعامل بحيادية مع الفرص المطروحة؟ ما ردك من خلال تجربتك الخاصة في العمل مع المؤسسة؟
من خلال ما قلته سابقاً، وبمنحي فرصة لمجرد طرقي باب المؤسسة بما يتناسب مع ما قدمت، فلو كان النص الذي قدمته سيئاً فمن المؤكد سيرفض وهذا طبيعي، وعندما يجدون أن المشروع المقدم يستحق أن يعطى فرصة لا أظن أنهم سيتأخرون في تقديم يد المساعدة لمن يستحق، والإمكانات التي قدمت لي في فيلم مشروع دعم سينما الشباب، قدمت للجميع، يبقى على مقدم المشروع أن يثبت نفسه ويقدم ما لديه على مستوى النص والإخراج، ومشروع دعم سينما الشباب هو لاكتشاف المواهب ودعمها، فالإمكانات التي تقدمها المؤسسة برأيي كافية لإثبات الموهبة، وبالتالي ليأخذ المتقدم فرصته التالية كما حدث معي وقدم لي كجائزة تنفيذ فيلم احترافي.

فيلم «ضجيج الذاكرة» نال العديد من الجوائز في مهرجانات عربية، كيف تقيمين تلك التجربة؟
ضجيج الذاكرة هو بداية الحلم وهو اختبار لما اكتسبته من خبرة خلال السنوات السابقة، وكانت تجربة مميزة وممتعة ومجدية على جميع الصعد.

جديد أعمالك الفيلم القصير «صمت الألوان» لا أريد الخوض في تفاصيل العمل بقدر ما أتطلع إلى الجديد فيه. هل تصمت الألوان حقاً في النهاية؟ أن تنشر ثرثراتها الجميلة هنا وهناك؟
أنتم أو من سيشاهد الفيلم هو الذي سيخبرنا بالجديد الذي فيه، فأنا سأراقب العيون والوجوه عند عرض الفيلم لأرى ما الجديد الذي صنعته وفريق العمل.
الألوان لا تصمت فمنها الصاخب ومنها الهادئ ومنها الحاد ومنها المريح، كما الأصوات وكما العلامات الموسيقية، فهي تتحدث بلغتها الخاصة وصوتها المتسربل في الأعين بطريقتها، الصمت هنا هو صمت أعيننا، وصم آذاننا عن صوتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن