ثقافة وفن

الفطرة والإبداع

| أيمن الحسن

في طفولتي، أيام سمعت سيرة العالم «توماس أديسون» استغربت كيف لبليد أن يخترع المصباح الكهربائي، وغيره من الإنجازات العلمية الهائلة؟
طبعاً أكبرت أمه، وقد أخفت رسالة المدرسة التي تتهمه بـ«سماكة مخه» مثلما يشبه العامة عندنا الشخص الغبي، قليل الذكاء، وأبلغته بعكس ما جاء فيها، قائلة:
– إن عقلك أكبر من منهاج المدرسة، يا تومي.
هكذا أتوقع أن يكون اسم الدلع الذي تطلقه عليه والدته الجديرة بكل احترم وإجلال، فسألها:
– وما الحل، يا أمي؟
– سأعلمك أنا، وهكذا تظل قربي طوال الوقت.

ويرد عليها بسرور:
– نعم أحب هذا، فتلاميذ صفي يستخفّون بي دائماً، ويسخرون مني، ومن أسئلتي الكثيرة للمعلمين.

– أبشِر بني الحبيب، سوف أدّرسك بنفسي، وأجيب عن أسئلتك كلها.

واندهشت أكثر حين اكتشف العالم أديسون الرسالة الفعلية في صندوق أمه، فأكبرها بدوره، وقلت في داخلي: يا للأم العظيمة، فلو فعلت غير ذلك ربما كنا في ظلام دامس حتى الآن، أو ما زلنا نستخدم مصابيح الكاز، واللوكسات!
لكن هذا ليس مربط الخيل، كما تقول العرب، فمع مرحلة نضج عقلي توصلت إلى أن الطفل توماس أديسون لم يكن قط بليداً، أو غبياً، وغليظ الذهن، في يوم من الأيام، وكيف يكون كذلك ويخترع هذه المبتكرات الكثيرة وأعظمها المصباح الكهربائي؟
إذاً ليس صحيحاً وصفه بهذا الشكل الخاطئ، بل إنه عبقري خارق لعصره، وزمانه، لكن المناهج الدرّسية ومعها المعلمون القائمون عليها لم يستوعبوا ذلك، وكيف يستوعبون والمناهج عامة لا تميز المبدعين من الطلاب، بل تقايسهم على المستوى الوسط المطلوب لجميع الدارسين؟ وهذا ما هو معمول به عندنا أيضاً، لذلك ينتفض الشاعر المبدع أحمد، وهو الفنان أحمد زكي في مسرحية «المشاغبون» ليقول لمدرسة الفلسفة: «إنه يرسب في امتحان اللغة العربية لأنهم يسألون أسئلة بايخة».
ولذلك نرى شعراءً كباراً لم يدخلوا المدارس، أو أنهم نالوا تعليماً أولياً فحسب، ولن أستنتج بسرعة أنهم لو أكملوا دراستهم لربما تشوّهت موهبتهم الفطرية، وذائقتهم الفنية العالية، ولم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من إنجاز إبداعي مهم، وأضرب على سبيل المثال لا الحصر اسمي الشاعرين رياض الصالح الحسين، ومحمد الماغوط.
وبالرجوع إلى العالم توماس أديسون أسأل:

– لو افترضنا أنه بقي في مدرسته، يلقن المعلومات، ويُقمع عن طرح أي سؤال غير معتاد، أو خارج المنهاج، كما يقال، هل فعل ما فعله من معجزات علمية، أنارت لنا الحياة؟
طبعاً تساؤلي لا يعني عدم ضرورة التعليم في المدارس، وأهميتها الكبرى في حياتنا، لكن هي وقفة تأمل في مناهجنا الدرسية القائمة على ضبط تفكير طلابنا ضمن سياق محدد، لا نحيد عنه قيد شعرة، ودعوة لمعلمينا الأفاضل أن نعطي لطلابنا الأعزاء حيزاً أوسع من الحرية في طرح تساؤلاتهم وآرائهم حتى لو كانت لا تعجبنا، ومن خارج المنهاج الذي قررته وزارة التربية، أو نرى فيها خروجاً عن الطاعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن