إمبراطور وحكاية طريفة، ولقاء غير مرتقب بالناس، البسطاء الذين أمتعتهم حكايته بأنه مجرم عادي هرب من العدالة لأنه ضرب زوجته، والذكاء الفطري في قراءة المظهر والأبهة، ما يدفع للشك بحقيقة هذا المختبئ بانتظار أن تنتهي مشكلته المعقدة مع زوجته، والناس الطبيعيون يتحلقون حوله، يحدثونه، يساهرونه، يبثونه همومهم، والإمبراطور بشخصيته الجديدة يستمع، يستغرب أنه لا يعرف، ويبقى صامتاً، والجائزة الكبرى تدفع للبحث عنه في كل مكان، ويصل الأمر إلى الدكان، ويكاد يعثر هذا المخبر البسيط على الإمبراطور والمكافأة، لكنه يهرب من الحظ ببحثه عن مفارقة أرادها الأخوان رحباني، وبتدخل البسطاء الذين يريدون حماية نزيلهم وضيفهم، وتصبح الحكاية المصنوعة التي صاغها حكاية لهم يروونها ويتحدثون بها، ويدافعون عنها..!
قال نقاد: إن الأخوين رحباني صاغا هذه المسرحية بتأثير واضح من عصر الانقلابات، وكقلب المناصب والحكام في المنطقة العربية في مرحلة من المراحل، وقالوا: إنها رمز للتحول والمناصب وما تفعل بأصحابها، وقالوا: هي كشف لجوهر البسطاء والمجتمع البسيط، الذي قد لا يحفظ معالم ووجوه ظالميه، لذلك تنطلي عليه الحيلة..! وقالوا وقالوا.. لكن أهم ما في الأمر أن هذه المسرحية تقدم مكاشفة واقعية، أو مكاشفة افتراضية، يتعرى فيها الفكر ويسمع الحاكم فيها ما لم يكن يسمعه في أي لحظة سابقة، ويمكن أن تشكل حافزاً له لمراجعة ما كان لو عاده ويمكن أن تشكل درساً للقادم إلى المكان، وقد رأى ما رأى لكن هل الفن يعلم الإنسان حقاً؟ سواء كان هذا الإنسان حاكماً أم محكوماً، هل يمكن أن يخرج أصحاب المواقع عن غاياتهم؟
هل يُمكن للفن من تغيير طباع البسطاء في تعاملهم الفطري؟
«اللي بيلغي برهوم بيلغي المسن برهوم».
عبارة تمر على لسان المخبرين الذين حضروا إلى الدكان لتفتيشها، قد لا يلتفت إليها السامع بشكل مباشر وواع، ولكنها ذات دلالات، فعندما عاد برهوم إلى مكانه حكمه إحساسه بالسلطة، الذي حوّل ما كان يشعره بالأمان في الدكان في أثناء تخفيه إلى إحساس بالريبة والشك حتى ممن مدّ له يد العون واحتواه، وقدم له المأوى ولوازمه..!
بدأ برهوم من المكان الذي كان ملاذاً له!
بدأ مرحلة الشك من الأمان!
وكان واضحاً في توجيهاته.. وما صنعه الرحابنة من مفارقة يدهش، فصاحب الدكان الفضولي كاد يجعل نفسه جزءاً من الانقلاب وقيادته، لولا فيروز التي تنبهه إلى مبالغاته، والبسيط يظن الناس أشباهاً له، ويظن أن ما فعله مع الإمبراطور المتلبس بشخصية برهوم يمكن أن يكون طريقاً للبسطاء وللوصول إلى مطالبهم، هو يطلب طلباتهم.
هو يسأل عن حاجياتهم.
لا يسأل عن أشياء غير ممكنة.
يعتب على برهوم أنه غادره دون وداع.
هناك حيث كان لقاء المطلوبين والمهربين وأصحاب المال وجد برهوم نفسه، وأدار انقلاباً ونجح فيه، كتب البلاغ رقم واحد، وهو بخبرته يعلم أنه بلاغ واحد إما أن ينجح وإما أن يخفق.
وليلة الانقلاب يكون الحديث الجوهر عند التطرق للشريك الذي لا يسمع، فهو قد يسمع، وقد يسمعون عنه، ولكنه بكل حال سيعرف كل شيء لأن الحكم هو الذي سيحرض سمعه على معرفة كل شيء!
وتتحول الدكان إلى سجن.
وتتحول القرية إلى سجن كبير.
ويتحول الناس إلى مطلوبين.
ولأن البسطاء لم يكتشفوا الحقيقة ترتفع الجائزة، لكن الأمر لا يمكن أن يكتشف، فقد صارت السلطة حائلة حتى بين المخبرين وغاياتهم.
ويعود البسطاء إلى حياتهم الجوهرية، ولو عاد برهوم لعادوا لإخفائه لأي سبب كان، لأنهم خميرة الأرض التي لا يحتاجها الخباز إلا بمقدار، بينما الباقي ينتفخ ليفسد.