ثقافة وفن

معرض الخريف السنوي بين الإبداع والذاكرة … أكثر من 215 عملاً فنياً تنوعت في أبعادٍ إنسانية وتشكيليةٍ جديدةٍ

| سوسن صيداوي- ت: طارق السعدوني

بين الربيع والخريف تقف مواسم اللوحات لتعرض جمالها وتفرّدها وتنوعها في غمرة من ذاكرة إبداع تراثي راقٍ لماض وحاضر يشهدان لأصالة أبناء سورية في خان أسعد باشا بدمشق، في نشاط لفعالية «أيام الفن التشكيلي السوري»، في معرض الخريف السنوي الذي جاء بإبداعاته التي قدمها التشكيليون السوريون المخضرمون والشباب ليكونوا ويبقوا ذاكرة سوريّة عريقة، تماشياً مع الشعار«ذاكرة الإبداع.. سورية»، تم افتتاح المعرض برعاية رئاسة مجلس الوزراء، ممثلة بمعاون وزير الثقافة توفيق الإمام، برفقة مدير الفنون الجميلة عماد كسحوت، حيث غصت زوايا الخان بأجنحة ضمت ما يتجاوز 215 لوحة بأحجام ومواضيع مع أساليب وتقنيات مختلفة، هذا عدا الأعمال النحتية المتنوعة الخامات.

بحضور الثقافة

اليوم تشهد سورية حراكاً ثقافياً قوياً مازالت تسعى بتنفيذه وزارة الثقافة ضمن مشروعها الذي لم يقتصر على جهة فنية، بل تنوع في كل المحافظات ليشمل المسرح والسينما والكتاب والفن التشكيلي وحتى الموسيقا، بمساعٍ جادة لترميم الإنسان السوري، وحول افتتاح معرض الخريف صرح معاون وزير الثقافة توفيق الإمام: «بالطبع تقدم للمعرض عدد كبير من اللوحات والأعمال النحتية، ولكن تم اختيارها لتشارك في معرضنا هذا بعد تقييمها من قبل لجنة فنية مختصة، أفرادها من كلية الفنون الجميلة ونقابة الفنانين التشكيليين، أما عن جمالية معرض الخريف فتعود إلى استمراريته عبر سنوات طويلة، بالإضافة للمشاركة الواسعة من قبل الفنانين السوريين الذين قدموا أعمالهم ضمن هذا المعرض وجاؤوا من محافظات متعددة، وأخيراً وزارة الثقافة تولي اهتماماً بالفن التشكيلي على الخصوص، لما لهذا الفن من أهمية في توثيق مفاهيم الإبداع والحداثة ضمن أعماله اللافتة».

بُعد إنساني وتشكيلي جديد

قدمت الفنانة التشكيلية أسماء فيومي عملا ًمختلفاً عما عودّتنا عليه من حيث اعتمادها على الألوان الترابية في مزج لا يوحي بحزن الخريف بل يدعو إلى أمل الخصب الذي تحتضنه المرأة بصدر اللوحة، لتتابع في الشرح: «عملي اليوم يدعو للتفاؤل وهو مختلف عما قدمته في السابق، وأنا تقصدت الأمر من حيث توزيع الألوان والتحوير في شكل المرأة من حيث حجم الأقدام والذراعين الكبيرين، فهذه التحويرات تهمني كثيراً لأنها تعطيني بعداً إنسانياً وتشكيلياً جديداً بالنسبة لمسيرتي، واليوم الجديد فيما هو داخل اللوحة حيث وضعت ألواناً مختلفة ما بين الأزرق، الأحمر الغامق، الأسود والأبيض، فصحيح أن الألوان تسكن الفنان ولكنني تمكنت من الخروج من الألوان التي كنت اعتمدها في السابق وتكرست في لوحاتي، انطلاقا من أنني ضد مبدأ السكون باللوحة أو أن أقدم بصمة ثابتة، فعلى العكس مطلوب من الفنان أن يحافظ على بصمته ولكن أن يجدد دائماً بأسلوبه، بمعنى أن تكون بصمته الحقيقية دالة عليه».
وعن تشجيع التشكيلية فيومي للفنانين الشباب لكونهم امتداداً للحركة التشكيلية السورية، عقبت قائلة: «بالفعل هم امتداد للتشكيل السوري الأخير الذي لم تؤثر عليه الأزمة ولم يتراجع وهو من أهم الفنون التي تبقى راسخة دون أن تسقط بالقاع، وأنا متفائلة باندفاع الشباب اليوم وبمحاولاتهم للتجديد الدائم عبر الاطلاع والذي مكنتهم منه وسائل الانترنت المتنوعة، ما يؤمن لهم رصيداً كبيراً بأن يستوحوا منه أعمالهم، والمثابرة جداً مهمة كون الرؤى والتجارب تتراكم لتعطي أعمالاً مهمة جداً، أنا أشكر هؤلاء الشباب المستمرين بالعمل وبالمثابرة رغم المأساة التي مررنا بها ورغم أن الفن التشكيلي مكلف، ولكنهم يعملون بشتى الوسائل كي يقدموا الإبداع للحركة التشكيلية ولسورية الوطن».

أبناء حجر البازلت

الأزمة وآثارها حاضرة في العديد من الأعمال التي قدمها الفنانون التشكيليون في المعرض، وكيف لا وهم الأكثر تأثرا، ومن بين المعروضات توقفنا عند عمل للنحات سعد شوقي الذي جاء ليشارك من محافظة درعا، فحدثنا عن المنحوتة قائلاً: «سأتحدث عن محافظة درعا والتي كانت طريقاً للعديد من الحضارات وأجدادنا كانوا نحاتين ومعماريين، فهم من عمّروا بصرى، ولدينا نحو 265 كنيسة في درعا عمّرها أجدادنا الذين هم أنفسهم من عمّروا روما، فنحن أبناء الحضارة وأبناء حجر البازلت، وللأسف الأزمة دمرت كل شيء أنجزته من منحوتات وأعمال، والقرية التي أسستها والتي امتدت نحو3500 متر كي يتعلم فيها أبناء المحافظة النحت، للأسف كلّها دُمرت، لكنني عدت للعمل ولم أتأثر بكارثة الدمار».

وعن منحوتته أضاف النحات شوقي: «الحجر الذي اخترته هو كلسي صلب، وحافظت على الشظية المغروزة بالحجر، الأخير الذي صرخ، ومنه اسم العمل (صرخة) ولكن في الوجه الآخر للمنحوتة نجد كيف أن المدينة محمية من الحجر أو الصخرة نفسها والتي تمثل ثباتنا وصلابتنا».

وعن مشاركته وقدومه من محافظة أخرى يقول: «بالطبع أنا أشكر وزارة الثقافة التي دعمتنا وحتى أنها كرمتنا مؤخراً في محافظة درعا بحضور وزير الثقافة، وكذلك الأمر بحمص والسويداء، وسنبقى نحن كالأشجار وإن متنا فسنموت واقفين».

الخامات مكلفة

من الجيل الشاب توقفنا مع النحاتة شادية دعبول التي حدثتنا عن مشاركتها والتي تمثل عازفة وتحمل آلتها الموسيقية، والمنحوتة مصنوعة من مادة البرونز قائلة: «على الرغم من أن المواد الخام غالية جداً ومكلفة أيضاً، إلا أنني لا زلت أحاول وأسعى قدر الإمكان أن أستمر بالمجال الذي أحبه وأؤمن به، وفي الحقيقة الظروف جداً صعبة وخصوصاً بأننا نواجه حصاراً اقتصادياً مرعباً، ولا يمكن للفنان أن يسّوق لأعماله كي يتمكن من بيعها ليؤمّن الخامات المطلوبة كي يستمر». وعن مشاركتها في معرض الخريف تابعت: «أنا سعيدة بهذه الفرصة كوننا أكثر من جيل وهذا الأمر سيُغني تجاربنا بآراء أساتذتنا والذين نعرض معهم أعمالنا جنباً إلى جنب، مما ينوع تجاربنا القادمة، كما وأتمنى أن نكثّف من هكذا معارض أو ملتقيات قدر الإمكان».

رحلة حياة

وأخيراً توقفنا مع التشكيلية الشابة ربا قرقوط في تجربتها بلوحتها والتي أطلقت عليها اسم «رحلة حياة» ذاهبة ما بين التجريدية في أمواج تذهب وتأتي ما بين الواقعية والتعبيرية، بين هدوء البحر وسكونه، لتخبرنا عن مشاركتها: «أنا خريجة عام 2003، وسعيدة جداً بهذه المشاركة كوني أتعرف إلى تجارب أساتذتي وزملائي من الجيل الشاب في جوّ مُحب يعبّر عن وطننا الجميل سورية، وبالنسبة لعملي (رحلة حياة) قصدت بالزورق الإنسان الذي تتلاطمه الأمواج تماماً كما تفعل به الحياة في رحلتها معه، فحياتنا مثلها مثل البحر بالهدوء والغضب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن