قضايا وآراء

الوحدات الأميركية في سورية.. جزيرة في بحيرة معادية

| تحسين الحلبي

برغم الوضع المعقد للأطراف واللاعبين من الدول وغير الدول في شمال شرق سورية إلا أن الجيش السوري وحلفاءه هم الطرف واللاعب الأساسي والرئيسي الذي يملك معظم أوراق القوة على الأرض وفي مستقبل أي صدام مسلح في تلك المنطقة، ويبدو أن هذه الحقيقة أدركها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حين أعلن في ثلاث مناسبات قراره بسحب الوحدات الأميركية من تلك المنطقة، ففي غضون سنة ونصف السنة حاول ترامب بوساطة تصريحاته الثلاثة هذه إغلاق ملف تلك المنطقة بطريقة اختار لها الانسحاب وأعلن عن تخليه عن المجموعات الكردية المسلحة هناك وبطريقة تعامل معهم فيها كمرتزقة حين قال: «قدمنا لهم المال والدعم وحققوا لنا مصلحتنا وسوف نغادر تلك المنطقة».
في تحليل نشرته مجلة «نيشينال انترست» الأميركية الشهيرة يبين دانيال ديفيس أن ترامب تراجع عن قراراته الثلاثة بعد أن تعرض لضغوط في المرة الأولى من وزير الدفاع جيم ماتيس في آذار 2018 ثم عاد ترامب في نهاية عام 2018 وأعلن أنه سيسحب القوات الأميركية ورفض مبررات ماتيس ودفعه إلى الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع. وبعد ذلك عارض مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الانسحاب وأجبر ترامب على عدم تنفيذ الانسحاب، وبعد إقالته لجون بولتون عاد وأعلن في 6 تشرين الأول الماضي في مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب أردوغان أنه سيسحب الوحدات الأميركية من سورية فاستعان المعارضون في الجيش ووزارة الخارجية الأميركية بالكونغرس فأصدر قراراً بأغلبية كبيرة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بإدانة قرار ترامب فتراجع مرة ثالثة، لكنه أعلن أن بقاء القوات الأميركية سببه حماية النفط الذي تسيطر عليه.
ويؤكد ديفيس أن القيادة العسكرية الأميركية والمتشددين في الكونغرس ووزارة الخارجية يعرفون أن موضوعاً مثل الاستيلاء على آبار نفط محدودة وتقديم الدعم للمجموعات الكردية المسلحة هناك لا يعد هدفاً استراتيجياً مقابل الأخطار التي ستتعرض لها الوحدات الأميركية في أراضٍ سورية معادية لأميركا ولأي قوات أجنبية محتلة، ولذلك من البديهي أن يرتبط الوجود الأميركي العسكري في تلك المنطقة بأهداف أوسع مما تعلن عنه وزارة الدفاع الأميركية، ففي أول مرة اعترض فيها ماتيس على سحب الوحدات قال للصحافة: إننا لن نسحب قواتنا بهذه البساطة قبل أن يحقق الدبلوماسيون السلام في سورية، وهذا يعني أن الوجود العسكري الأميركي هدفه فرض حلول وشروط أميركية إمبريالية ترفضها سورية جملة وتفصيلاً، وخاصة لأن الهدف الأميركي هو تقسيم سورية وتفتيت قدراتها في منطقة يستحيل فيها تحقيق مثل هذا الهدف، فلا المراهنة على المجموعات الكردية المسلحة المتحالفة مع قوات الاحتلال الأميركي ستتيح لواشنطن البقاء من دون ثمن باهظ تدفعه على غرار ما دفعته في فيتنام في القرن الماضي وفي أفغانستان منذ عام 2001 وما زالت تدفعه فيها خلال 18 عاماً من دون أن تحقق أهدافها فما بالك في سورية التي انتصر فيها الجيش وحلفاؤه على مئات الآلاف من الإرهابيين، ولم يبق لديه من مهام في هذه الأوقات سوى جبهة شمال سورية في إدلب وبقايا الإرهابيين، فالجيش الأميركي في شمال شرق سورية يحيط به الأعداء من كل جانب حتى من حدود العراق وسيجد نفسه بموجب ما ذكره تحليل لمجلة «وول ستريت جورنال» في 18 تشرين الأول الماضي، محاصراً مع المجموعات الكردية المسلحة نفسها التي يدعمها في أضيق منطقة لأن أراضي سورية كما تقول المجلة: «رمال ودماء وموت فلنخرج من هناك»، ويبدو أن هذا التحذير بدأ يتكرر من عدد من وسائل الإعلام وبخاصة قبيل بدء الحملات الانتخابية على الرئاسة، وكان عدد من الكتاب السياسيين والمسؤولين سابقاً في الإدارة الأميركية ومنهم عضو الكونغرس السابق رون بول قد أعلنوا عن شكوكهم بإمكانية تحقيق أميركا هدفها مع المجموعات الكردية في سورية وهي التي منيت بالهزيمة في مشروعها لتقسيم العراق بوساطة مجموعات أكراد إقليم كردستان بعد أن استخدمت هذه المجموعات لتحقيق أهدافها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن