تاريخ مجلس الدولة السوري من المهد حتى صدور القانون رقم 32 لعام 2019 … مجلس الشورى يطلب أمر تعيين الركابي والركابي يرد… والملك فيصل يصدر قراراً والمجلس يرفض التصديق عليه
| المحامي أحمد وليد منصور
تمتد عراقة مجلس الدولة السوري، إلى تاريخ أول مملكة سورية عربية عرفتها بلاد الشام، بعد خروج آخر عسكري عثماني من دمشق في 27 أيلول 1918.
إلا أن البعض قد يعتقد خاطئاً، ولطول عمر قانون مجلس الدولة السابق رقم /55/ لعام 1955، أن سورية لم تعرف تنظيماً قضائياً إدارياً إلا بعهد الوحدة بين الجمهوريتين السورية والمصرية.
وقد نسب بعض فقهاء القانون المصري عن قصد أو دون قصد، فضل وجود قضاء إداري في سورية إليهم، فمن المعروف أن قانون مجلس الدولة الذي عملت به محاكم القضاء الإداري لمدة تزيد عن 60 عاماً، هو قانون مقتبس بشكل حرفي مع بعض التعديلات عن القانون رقم 165 لعام 1955 المعمول به في مصر قبل إعلان الجمهورية العربية المتحدة في 22 شباط 1958.
مجلس الشورى في العهد الفيصلي
بعيد خروج آخر عسكري عثماني من مدينة دمشق في 27 أيلول 1918 تسلمت البلاد حكومة مؤقتة برئاسة الأمير سعيد الجزائري، وذلك بعد أن اجتمعت كلمة الوجهاء والمفكرين على تسميته بعد اجتماعهم في بهو المجلس البلدي في ساحة المرجة.
إلا أن حكومة الأمير سعيد لم تدم أكثر من ثلاثة أيام، فقد دخلت في الأول من تشرين الأول طلائع الجيش العربي بقيادة الشريف ناصر بن علي برفقة الفرقة الأسترالية والجيش البريطاني بقيادة الجنرال اللنبي.
وقد عين الجنرال اللنبي رضا باشا الركابي حاكماً عسكرياً للمنطقة الشرقية إلى أن دخل الأمير فيصل دمشق في 4 تشرين الأول 1918 وكان أول قراراته أن أعلن باسم والده صاحب الجلالة الشريف حسين، قيام حكومة عربية في سورية وتثبيت الركابي حاكماً عليها.
أول صدام لمجلس الشورى
مع الحاكم العسكري
بعد تعيين الركابي حاكماً عسكرياً بناء على أمر الجنرال اللنبي القائد العام للجيوش الحليفة في الشرق الأوسط، أقبل الناس لتهنئته.
فجاءه رئيس وأعضاء مجلس الشورى الذين اختاروا مجموعتهم بأنفسهم في عهد حكومة الأمير سعيد المؤقتة، طلب أحدهم من الحاكم الركابي الاطلاع على أمر تعيينه فأجابه: «ألم تر عيناك أني قرة عيون المجاهدين والجيوش الحليفة الظافرة، فقل لي أولاً ما صفتك التي تخولك هذا الطلب؟» فأجابه: «أنا رئيس مجلس الشورى بناء على قرار حكومة الأمير سعيد المؤقتة»، فرد عليه الركابي: «أنا الحاكم العسكري بأمر القائد العام الجنرال اللنبي كما أعلن ذلك في الصحف، وسأنظر بين مهام وظيفتي في أمر مجلس الشورى وتنظيمه، وليذهب كل منكم الآن إلى عمله المؤقت».
وفي يوم الأحد السادس من شهر تشرين الأول 1918 اجتمع في دار الحكومة برئاسة الحاكم العسكري العام أعضاء الحكومة العسكرية، وأقروا قانوناً أساسياً مؤلفاً من عشر مواد ليستند عليه الحكم المدني في البلاد وأطلقوا عليه «نظام التشكيلات الأساسية» ويعتبر هذا النظام عملياً أو دستوراً لسورية بعد استقلالها عن الدولة العثمانية، وقد تضمن قانون التشكيلات الأساسية إقامة مجلس باسم «مجلس الشورى العربي» يسميه الحاكم العسكري العام ويتألف من خمسة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضواً على الأكثر.
وفي 7 تشرين الأول 1918 أصدر الركابي قراره بتأليف مجلس الشورى من أفاضل رجال العلم والأدب والقانون، وعهد برئاسته إلى الوجيه الكبير عبد القادر المؤيد العظم وبنيابة الرئاسة إلى الشيخ عبد المحسن الأسطواني وكان من بين أعضاء المجلس العلامة فارس الخوري وأسعد صيدر ونسيب الأطرش وجورج رزق اللـه وأمين حشيمة.
وقد أعطي مجلس الشورى هذا سلطات سياسية وتشريعية وإدارية وقضائية وتأديبية واستشارية.
فقد أوجب نظام التشكيلات الأساسية في مادته الثانية على الحاكم العسكري العام أن يعطي لمجلس الشورى بطلب ثلثي أعضائه، إيضاحاً عن نتيجة أعماله، كما نصت المادة الثامنة على أن المديرين العامين الذين يشرفون على إدارات الحكومة إلى جانب الحاكم العسكري العام مسؤولون عن أعمال إدارتهم لدى مجلس الشورى.
كما نصت المادة الثالثة على أنه يجوز تعيين مستشارين لدى مجلس الشورى من أجل المذاكرة معهم أو الاستعانة برأيهم في المسائل التي يختصون بها.
ونصت المادة الرابعة من هذا النظام على أن من وظائف مجلس الشورى وضع القوانين والأنظمة المؤقتة لإدارة شؤون الحكومة العربية والنظر في جميع الأمور التشريعية، وتأليف دوائر الإدارة وتشكيلها حسب اللزوم.
وكان من أول النشاطات القانونية لمجلس الشورى هذا، إعداد قانون الغنائم الحربية في 13 تشرين الثاني 1918، وإقراره من الحاكم العسكري وإصداره من إرادة سمو الأمير فيصل.
استمر وضع مجلس الشورى العربي هكذا حتى تاريخ 13 شباط 1919 حيث تم تقديم مشروع قانون إلى مجلس الشورى العربي لتدار بموجبه البلاد السورية التي أطلق عليها دولياً اسم- المنطقة الشرقية من بلاد العدو المحتلة – وقام المجلس بتأليف لجنة من ثلاثة أعضاء عهد إليها بدراسة المشروع وقد تقدمت اللجنة بتقرير ارتأت فيه تعديل بعض النصوص المقترحة، وعرض التقرير على المجلس بتاريخ 17 نيسان 1919 وأطلق عليه اسم «القانون المؤقت لإدارة المنطقة الشرقية لبلاد العدو المحتلة».
وقد جاء أكثر تركيزاً في الصياغة وتحديداً لوظائف مجلس الشورى، فقد نصت المادة الثالثة منه على ما يلي:
«يؤلف في العاصمة مجلس باسم مجلس الشورى وتحت رياسة الحاكم العسكري العام أو من ينيبه عنه من أعضاء المجلس وظيفته:
1- النظر في المواد التي يحيلها عليه الحاكم العسكري وإعطاء القرار بشأنها.
2- سن القوانين والنظامات والتعليمات التي تقتضيها إدارة المنطقة.
3- تدقيق الميزانيات وتعديلها وتصديقها.
4- تفسير ما يشكل فهمه على الدوائر من القوانين والأنظمة الموضوعة والأوامر المبلغة وحل الاختلافات التي تقع بين الدوائر الرسمية.
5- تدقيق الميزانيات وتعديلها وتصديقها.
6- تدقيق قرارات مجلس الإدارة استئنافاً وتمييزاً.
7- تدقيق الامتيازات النافعة وتصديقها».
ومن الجدير بالذكر أن مجلس الشورى هذا كان على درجة كبيرة من التمسك بالقانون والحفاظ على كرامة القضاء تجاه رئيس الدولة، ما رسخ الفكر القضائي والقانوني في الدولة الحديثة العهد.
مجلس الشورى يرفض المصادقة
على قرار الأمير فيصل
وفي السجلات القضائية لمجلس الشورى، مثل رائع يبين مقدار تمسك مجلس الشورى بكرامته تجاه رئيس الدولة وأعضائه المختارين من قبله، إذ يتضح من ضبط جلسة 26 آب 1919، أن الأمير فيصل أصدر إرادته بتخصيص راتب لأحد الشهداء (الشهيد إسماعيل حقي) قبل اتخاذ مجلس الشورى قراراً بمشروعية هذا التخصيص، فلما أحيل الأمر إلى المجلس اتخذ قراره رقم /1135/ الذي قضى بعدم مشروعية التخصيص من الأمير فيصل مباشرة، حيث إن مجلس الشورى يبحث في القضايا التي تحال إليه قبل عرضها على سمو الأمير المعظم وإعطاء قراره بخصوصها، أما بعد إصدارها من سمو الأمير فلا يمكن بحثها من قبل المجلس.
وقد وقّع القرار كل من: عبد القادر المؤيد، عبد المحسن الاسطواني، أسعد حيدر، سليم البخاري، فارس الشهابي، فارس الخوري، رشيد المطران، بديع المؤيد، قسطاكي الحمصي، غالب شاذول، عطا اللـه الكيلاني، راشد مردم بك، طاهر الجزائري.
استمر العمل بهذا المجلس حتى تاريخ 26 كانون الثاني 1920، حيث قام المؤتمر السوري المكلف بوضع دستور دائم للبلاد، نصت المادة (120) منه على أن:
«الدعاوى المتكونة بين الدوائر الرسمية والأشخاص ترى بالمحاكم العمومية»
وبذلك ألغى هذا الدستور فكرة القضاء المزدوج وأعاد العمل بفكرة القضاء الموحد.
في عهد المملكة السورية
في 8 آذار 1920 تم إعلان المملكة السورية، وتتويج الملك فيصل بن الحسين ملكاً عليها.
أول قرار اتخذه الملك فيصل بعد مبايعته هو تسمية الفريق رضا الركابي بتأليف الوزارة، فقام الركابي بإعادة تفعيل مجلس الشورى وجعل لمجلس الشورى دوراً قضائياً واستشارياً، على أن تحال قراراته إلى رئيس مجلس الوزراء لتصبح نهائية، وقد تمت تسمية السيد علاء الدين الدروبي رئيساً لمجلس الشورى.
وكان من القوانين التي طرحت على هذا المجلس قانون النقد السوري، الذي صدر في نيسان، وتم اعتبار عياره هو الذهب ووحدة القياس هو الدينار السوري وقيمته مئة قرش سوري، كما أحدث الريال السوري وقيمته خمسة وعشرون قرشاً.
وفي الثاني من أيار من نفس العام استقالت وزارة الركابي، لتحل محلها حكومة هاشم الأتاسي في 3 أيار 1920 والذي قام بتسمية السيد رضا الصلح رئيساً لمجلس شورى الدولة، واستمر العمل بهذه الحكومة حتى إرسال غورو إنذاره الشهير للملك فيصل، الأمر الذي سنتابع تفاصيله في الحلقة القادمة.