ثقافة وفن

«الطربوش» مجموعة ثانية تُعرّي أشباه الرجال … مازن غانم لـ«الوطن»: المرأة ظُلمت لجهلها بنفسها

| سوسن صيداوي

أن تقترب اللوحة من التجريد من دون أن تكون تجريدية، أمر معقد، فاللوحات اكتملت لتحكي لنا عن قصص، شخوصها التي ترتدي الطرابيش أو«العكال»، وفي أماكن أخرى شخوص حملت معاناة وأوجاع سنين مرّت عصيبة ومؤلمة فيها من الدم والذبح مع ظهورٍ بهيئة وحوش قادرة على الذبح والتنكيل، هذا عدا عن شخوص تمثّل أوجاع المرأة ومعاناتها. إذاً بين مرحلتين زمنيتين تأتي الأعمال الثلاثون للفنان التشكيلي مازن غانم، والتي تُبدي إحداها الإشراق والغِنى بالألوان الضاجة والحيوية التي تدعو للحلم، في أول مجموعة «نساء من الشرق» والتي تعود إلى عام2003، على حين المجموعة الثانية تمثل المرحلة الثانية التي تتحدث عما تأثر به الفنان أثناء الأزمة إضافة إلى خلاصة قراءاته وما رآه من دراما تلفزيونية تشير إلى القيود التي فرضها الرجل الشرقي، لتطغى الألوان القاتمة المتنوعة ما بين الأسود والبني في لوحاته مجسدة للحالة المطلوبة. هذا إضافة إلى الكثير من الجمال والتفرد والاختلاف الذي قدمه لنا التشكيلي غانم في معرضه الفردي العاشر«الطربوش» في صالة عشتار في دمشق. وللمزيد نقدم لكم.

عن دمشق العاصمة

جاء الفنان مازن غانم من اللاذقية عروس الساحل السوري إلى «صالة عشتار للفنون» ليقدم أفكاره المناهضة للمجتمع بظلمه وبقيوده، معرّياً الحقائق، وعن قدومه للشام وإقامة معرضه الفردي في صالة عشتار قال: «أنا سعيد جداً لقدومي إلى دمشق العاصمة، فهي القبلة لكل الفنون، ونافذة للجمهور الذي سيطلع على الآخر ويتحاور مع كل التجارب المتنوعة، لهذا قررت أن آتي إلى دمشق لأكون بينكم، ولأقدم ما لدي إلى أكبر شريحة ممكنة، فالآراء تهمني وأن أصيب المتلقي بفني الذي هو غايتي، وبالتالي أشكر صالة «عشتار»على هذه الفرصة لإتاحة الفرصة لجميع الفنانين الموجودون في كل المحافظات».

في اللون المائي

لفت غانم إلى أن الحداثة في اللوحات تتطلب الخروج بنزق عبر ألوان مجنونة تقود المشاهد للحالة المطلوبة، وهو من يعتبر بأن اللون المائي كان وما زال -بالنسبة له- من الفنون الروحية التي لا تتكلم ولا تُفسّر، ليتابع «لقد أحببت العمل بالألوان المائية لصعوبتها وسلاستها، لأنني شخصياً أرغب في البحث عن التحدي وأقبل به فنياً، واللون المائي يعزز هذه الرغبة».

كسر القيود

المعرض يقدم لوحات تعود إلى مرحلتين زمنيتين، واحدة فيها الحب، والأخرى تصور الإجرام والقتل والأوجاع التي خلّفتها الأزمة، إضافة إلى تمثيل الأفكار والعادات التي قيودها توجع أيضاً، وفي تصريح لـ«الوطـن» بدأ الفنان مازن غانم بحديثه عن المرأة فيقول: «أنا منصف للمرأة التي ظلمت نفسها كثيراً، أحب أن أشير إلى أن الشاعر نزار قباني عرف المرأة وقرأها أكثر مما عرفت نفسها، لهذا كتب عنها بطريقة معبرة عن دواخلها، وكذلك الأمر بالنسبة ليوسف شاهين. إذاً ظلم المرأة يأتي من عدم معرفتها لنفسها ولرغباتها ولأهدافها، وبالتالي هذا الأمر أوجعها كثيراً، ولكن أنا من الأشخاص الذين يجلّونها، ولدي دفق كبير من العواطف والحنان تجاهها، الدليل على ذلك امتناني لوالدتي رحمها اللـه التي ساهمت في تأثري الإيجابي بالمرأة عموماً، فهي أكثر من دعمني وساندني، وفي العام القادم سأقيم معرضاً لروح والدتي بمناسبة مرور عام على وفاتها، وفيه سأعبّر عن كل مشاعري الممتنة لأمي وللمرأة».

وبتفصيل أدق حول معرض «الطربوش» يتابع فناننا: «يشهد المتلقي، ما تضمنته اللوحات الثلاثون، لغتين: الأولى لغة الحب والغرام، وتضم مجموعة أسميتها «نساء الشرق» وكنت قد عرضتها في باريس عام2003، ومرة أخرى في جنيف، هذه المجموعة أحبَها الكل، لأن فيها الكثير من المعنى واللون وفيها حلم، وبقيت لمدة خمس سنوات تقريبا وأنا أعمل بالأسلوب نفسه والخط واللون والحلم، من بعدها تطورت التجربة حتى عام 2009، حيث ساهم قضاء الوقت هنا في سورية، مع العودة إلى القراءة والحالات الذهنية التي تسكن في المخ، إضافة إلى الدراما التي نشاهدها عبر التلفاز بمواضيعها المطروحة، من كل ما سبق جاءت لوحات المجموعة الثانية باسم «الطربوش»، وهنا أسلط الضوء على أشباه الرجال وحالة التشويه بمفهوم الرجولة، فالمعنى الصحيح للرجولة يكون بقرار الرجل بعيداً عن تسلطه وانفعالاته اللامنطقية التي يبيحها له المجتمع. هذا كما لابد أن أشير إلى أنني تأثرت كثيراً بالأزمة والأمر واضح بالدموية ومظاهر الإجرام والعنف في عدد من اللوحات، ولكنني اليوم أفكر كيف نخرج من الأزمة بكل مخلفاتها، وسيكون الطرح الجديد متجهاً نحو الأفضل بالخروج من كل ما مررنا به. وأخيراً أتمنى أن أكون قد وفقت بالطرح وأصبت إعجاب المتلقي».

رأي لفنان

حضر المعرض قامات فنية مخضرمة ولها باع طويل في التشكيل السوري، وكلّها شدّت على يد الفنان لتعامله المطواع مع اللون المائي الذي يحتاج إلى الخبرة والصبر الكبيرين، ولابد من الإشارة إلى أن جمال الحالة تفرضه الصداقة رغم المنافسة في المجال نفسه، ومن بين الحضور توقفنا مع الفنان محي الدين الحمصي الذي بدأ حديثه باعتزازه الكبير بالصداقة القديمة التي تربطه مع الفنان مازن غانم، وحول معرض «الطربوش» قال: «فناننا يجتهد دائماً في أسلوبه لتعزيز بصمته المتفردة في الساحة التشكيلية السورية، واليوم أرى في اللوحات أنه اشتغل باللون المائي مع إضافة القليل من الإكريليك، وبعلم الألوان الإكريليك من المواد الكاتمة للون، بعكس اللون المائي الذي يمنح الكثير من الشفافية، وأركز هنا على نقطة مهمة، التشكيلي مازن غانم لو لم يكن متمرساً وشفافاً من داخله، فلا يمكنه أن يعمل على اللون المائي أو يبدع في شفافياته المتنوعة في العمل الواحد، هذا من الجانب التقني، أما من ناحية الشخوص فهي توحي بمكنونات الفنان الفكرية والعاطفية، كما أن تأثره بالأزمة واضح، حتى إنه تطرق للعادات والتقاليد، وإلى تسلط الرجل برسمه لطربوش الرجل أو بإبراز الشارب في الوجه، مجسداً البيئة الشامية كما صورتها المسلسلات وبقربها للواقع من حيث الظلم للآخر وللمرأة، وبالطبع هذا الأمر مختلف عن بيئته الساحلية، وهذه نقطة تضاف للفنان في مشواره التشكيلي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن