ثقافة وفن

تاريخ مجلس الدولة السوري من المهد وحتى صدور القانون رقم 32 لعام 2019 … إلغاء مجلس الشورى بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد

| المحامي أحمد وليد منصور

لم يكن الملك فيصل متمسكاً بوحدة المملكة السورية واستقلالها بقدر تمسكه بالسلطة التي وعد بها من قبل حلفائه البريطانيين.
وما إن أرسل غورو إنذاره الأول حتى قبله الملك فيصل على الرغم من معارضة أعضاء المؤتمر السوري لهذا القبول.
وفي 18 تموز 1929 أرسل الملك فيصل قبوله بشروط الإنذار للجنرال غورو الذي تشكر الملك على قبوله إنذاره مع طلبه إدخال تعديل عليه بأن يشمل الانتداب الفرنسي كامل سورية وأمهله 24 ساعة تنتهي في 20/ 21 تموز، عاد الملك فيصل وقبل بشرط غورو الجديد إلا أن الجنود الفرنسيين بقيادة الجنرال غورو لم تلبث أن دخلت إلى دمشق عن طريق مجدل عنجر، فثارت العامة والمؤتمر السوري بوجه الملك فيصل وحكومته، أما فيصل فخرج من سورية ليعين من بعدها ملكاً على العراق وأما سورية فرضخت للاحتلال الفرنسي بعد معركة ميسلون في 24 تموز 1920 واستشهاد وزير الحربية يوسف العظمة.

سورية في عهد الانتداب الفرنسي

وعلى إثر ذلك استقالت حكومة الأتاسي وتم تأليف حكومة جديدة برئاسة علاء الدين الدروبي عين بها عبد الرحمن اليوسف لرئاسة مجلس الشورى.
إلا أن الفوضى العارمة التي حلت بدمشق جراء الأحداث الجديدة ترتب عليها مقتل كل من رئيس الوزارة السورية ورئيس مجلس الشورى في صباح 21 آب 1920 بمدينة درعا.
إن سجلات مجلس الشورى تدل على أن المجلس استمر بالقيام بالمهام التي أوكلتها القوانين إليه، وكانت سلطات الانتداب الفرنسي أقرت في كانون الأول 1920 خلق عدة دويلات في البلاد باسم دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ودولة جبل الدروز ولواء الاسكندرون.
وبتاريخ 28 حزيران 1922 قامت السلطات الفرنسية بتشكيل اتحاد يضم دول كل من دمشق وحلب والعلويين.
واستتبع قيام الاتحاد السوري أن تحولت حكومة العاملين في دولة دمشق بتاريخ 10 كانون الثاني سنة 1923 إلى مجرد مجلس مديرين وأعطى هذا المجلس اختصاص النظر في الطعون التي تقدم ضد قرارات مجلس الإدارة وبذلك اعتبر مجلس الشورى ملغياً وتوقف عن اجتماعاته في 15 كانون الثاني 1923.
اضطرت السلطات الفرنسة في سنة 1924 العدول عن مشروع الاتحاد السوري الذي يعتبر من آخر إنجازات الجنرال غورو المفوض السامي والقائد الأعلى للقوات الفرنسية في سورية ولبنان الذي غادر بيروت إلى باريس في نيسان 1923 ليحل محله الجنرال فيفان.
وبتاريخ 5 كانون الأول 1924 حل الجنرال فيفان الاتحاد السوري وأعلن قيام الوحدة بين مقاطعتي دمشق وحلب اعتباراً من 1 كانون الثاني 1925 وعلى إثرها قام رئيس الدولة السوري صبحي بركات في 20 كانون الأول بتأليف الوزارة بموافقة المفوض السامي.
كما قام رئيس الدولة صبحي بركات بإصدار القرار رقم/13/بتاريخ 29 كانون الأول 1924 أحدث بموجبه مجلس الشورى اعتباراً من 1 كانون الثاني عام 1925 وحدد بقرارين 24 و25 تاريخ 9 شباط 1925 تشكيلات المجلس ووظائفه على الشكل التالي:
1- يتألف المجلس من رئيس وخمسة أعضاء أحدهم فرنسي.
2- ينظر المجلس في الدعاوى الإدارية وليس له أن ينظر في الأمور التشريعية.
3- كانت قراراته ذات صفة بدائية أي إنها كانت قابلة للاستئناف أمام مجلس أعلى يطلق عليه اسم مجلس القضايا الأعلى في المفوضية العليا إلا أن هذا المجلس الأخير لم يتشكل عملياً.
4- لم يكن لمجلس الشورى حق النظر في القرارات الصادرة عن رئاسة الدولة بل كان أمر النظر في هذه القرارات يعود لمجلس القضايا العليا.

عهد الجمهورية السورية الأولى

أمام التطورات المتلاحقة داخل سورية، وخاصة اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، تم إجراء انتخابات عامة لجمعية تأسيسية تولت سنة 1928 وضع دستور للبلاد، غير أن السلطات الفرنسية لم ترض بما صنعته هذه الجمعية فأغلقتها، وعمدت بتاريخ 14 أيار 1930 إلى نشر دستور قيدته بما يضمن لها السيادة.
وبتاريخ 12 حزيران 1932 أعلن عن قيام الجمهورية السورية، وانتخب محمد علي العابد أول رئيس لها.
وتولى حقي العظم رئيس مجلس الشورى تشكيل أول وزارة في هذه الجمهورية ما دعاه إلى العمل على تقوية مجلس الشورى بإعادة النظر بالنصوص الناظمة له.
وبتاريخ 2 كانون الثاني 1934 أصدر الرئيس محمد علي العابد المرسومان رقم 10 و11 تقرر بموجبهما تشكيل مجلس شورى الدولة، وقد حدد بموجب المرسوم رقم / 85 / لعام 1934 تاريخ 1 كانون الثاني 1935 تاريخاً لسريان المرسوم 10 و11.
وقد جاءت النصوص الجديدة للمرسومين التشريعيين 10 و11 بأحكام مقتبسة عن نظام مجلس الدولة الفرنسي.
ويمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً – الاختصاص الاستشاري: يتولى مجلس الشورى بهيئته الاستشارية إبداء الرأي في مشروعات القوانين والأنظمة والمراسيم أو الاقتراحات بشأن وضعها، وكذلك يقوم بإعداد هذه المشروعات أو المشاركة في وضعها إذا ما طلب منه ذلك.
وفي الواقع لم ترسل إلى المجلس أي مشاريع بصفته الاستشارية هذه وبقيت هذه الصفة بحكم المعدومة.
ثانياً – الاختصاص القضائي: يتولى مجلس الشورى بهيئته القضائية الفصل بصورة عامة في جميع المنازعات الإدارية، إلا ما استثني بنص صريح أو كان الفصل فيه يدخل باختصاص المحاكم الناظرة في القضايا الأجنبية، على أن يتولى المجلس بصورة خاصة الفصل في القضايا التالية:
1- طلبات تعويض الأضرار الناجمة عن الأشغال العامة أو القيام بخدمات عامة.
2- الخلافات المتعلقة بالعقود والالتزامات والمناقصات والامتيازات التي تقرها الإدارات العامة لتأمين سير المصالح العامة.
3- الخلافات المتعلقة بالضرائب المباشرة.
4- الخلافات المتعلقة برواتب ومعاشات الموظفين.
5- الخلافات المتعلقة بأشغال أملاك الدولة العامة.
6- دعاوى إلغاء المراسيم والقرارات ذات الصفة الإدارية التي تصدرها سلطات الجمهورية السورية بداعي أن فيها تجاوزاً بحدود السلطة مهما كانت هذه المراسيم والقرارات أي سواء أكانت شخصية أم تنظيمية.
7- الاختلافات الناشئة عن الوظيفة بين السلطات الإدارية.
8- الاعتراضات على صحة انتخابات المجالس الإدارية الإقليمية أو المحلية.
9- الطعون في قرارات مجالس تأديب الموظفين العامين بطرق النقض.
ثالثاً – الاختصاص التفسيري: ومن أهم الأحكام التي جاء بها التشريع الجديد المادة 41 وهي تنص على أن «تستطلع المحاكم رأي مجلس الشورى في تفسير وتقدير المقررات الإدارية المتعلقة بالدعاوي التي حق النظر والبت فيها من صلاحية المحاكم العادية، وما يبديه مجلس الشورى من الرأي تكون المحكمة الواضعة يدها في الدعوى ملزمة باتباعه».
إلا أن الدعاوى الإدارية التي يكون أحد أطرافها أجنبي، بقيت من اختصاص المحاكم المختلطة التي تأسست في 23 تشرين الثاني 1923، وهذه إحدى الثغرات الخطيرة في هذا المرسوم.
وبتاريخ 4 تشرين الثاني 1934 أصدر الرئيس العابد المرسوم الاشتراعي رقم /86/ القاضي بتعديل المواد 4 و8و 9 و30 و44 من المرسوم الاشتراعي رقم /10/ ليصبح تأليف المجلس على الشكل التالي: يتألف مجلس الشورى من:
1- رئيس مجلس الشورى.
2- المستشار التشريعي لدى رئاسة الجمهورية.
3- العضو الفرنسي في محكمة التمييز.
4- عضوين عاملين.
5- ستة أعضاء منتدبين.

العهد الوطني وإلغاء مجلس الشورى لضغط النفقات

قدم الرئيس محمد علي العابد استقالته أمام المجلس النيابي في 21 كانون الأول 1936، وقد بوشر بانتخاب خلف له فنجح الرئيس هاشم الأتاسي برئاسة الجمهورية وهو رئيس الكتلة الوطنية التي تولت شؤون المفاوضات السورية الفرنسية عام 1936 في باريس.
أعضاء الكتلة الوطنية قد حصلوا على تأييد شعبي كبير جداً، توج بانتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية السورية. وتم تشكيل حكومة برئاسة جميل مردم بك، عانت هذه الحكومة من أزمة اقتصادية كبيرة، وقامت بإلغاء عدد من مصالح الدولة لضغط النفقات، ومن هذه المصالح التي تم إلغاؤها مجلس شورى الدولة المحدث بالمرسوم الاشتراعي رقم /10/ لعام 1934.
وقد أصدر الرئيس هاشم الأتاسي بناء على اقتراح رئيس حكومته جميل مردم بك القانون رقم /26/ بتاريخ 12 نيسان 1938 والذي نص في المادة الأولى والرابعة منه على أن:
م1- يلغى مجلس شورى الدولة المؤلف بموجب المرسوم الاشتراعي رقم /10/ لعام 1934 وتنظر محكمة التمييز السورية في جميع القضايا التي كان لمجلس الشورى حق النظر فيها عملاً بأحكام القرار المذكور.
م4 – تسمى محكمة التمييز التي تنظر في القضايا التي كانت من اختصاص مجلس الشورى (الغرفة الإدارية) وتتألف من رئيس دائرة وعضوين اثنين، ويمثل الحق العام في هذه الغرفة المدعي العام لدى محكمة التمييز أو من تنتدبه الوزارة بموجب المادة /77/ من قرار التنظيمات القضائية المعدل رقم 238 وتاريخ 20 حزيران 1938.
وقد حذف هذا القانون الوظائف الاستشارية التي كانت للمجلس وأبقى الاختصاصات القضائية فقط كما وردت في المرسوم الاشتراعي رقم /11/ لعام 1934 ما عدا قضايا فسخ وإلغاء المراسيم بسبب تجاوز حدود السلطة فقد جعل أمر النظر فيها من اختصاص محكمة التمييز بهيئتها العامة.
تعرضت رئاسة الأتاسي لعدد من الانتكاسات، ترافقت مع معارضة شديدة لها ترأسها الشيخ كامل القصاب والدكتور عبد الرحمن الشهبندر اضطر على إثرها الرئيس هاشم الأتاسي إلى تقديم استقالته في 7 تموز 1939، ليبدأ عهد جديد يدعى بعهد حكومة المديرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن