قضايا وآراء

إدلب.. معركة متعددة الأبعاد

| مازن جبور

ليست إدلب بالمعركة السهلة لا سياسياً ولا عسكرياً ولا اجتماعياً ولا اقتصادياً، هي معركة خواتيم مع الإرهاب بشكله التنظيمي، والانتقال إلى العمليات الأمنية ضد خلاياه النائمة أو الفارة من معاقلها، على غرار ما تحول إليه تنظيم داعش الإرهابي في البادية السورية.
تمثل إدلب اليوم وأجزاء من أرياف المحافظات المجاورة، المعقل الأخير للتنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإن القضاء عليها يعني انتزاع ورقة الإرهاب و«الكيميائي» و«حقوق الإنسان» من يد الدول الغربية المعادية لسورية، واقتصار الأمر على ملفين رئيسيين، الأول: يرتبط بملف المناطق التي يحتلها النظام التركي ومرتزقته الموجودين فيها، والثاني: ملف الميليشيات الكردية التي تقبع تحت جناح الاحتلال الأميركي، وهما ملفان يبدو أن طرق المعالجة لهما ستكون مختلفة ذات بعد سياسي أمني وقانوني، أكثر منها عسكري، خصوصاً مع التغيرات الأخيرة التي طرأت بعد شن العدوان التركي في التاسع من شهر تشرين الأول الماضي وما تبعه من إعادة انتشار الجيش العربي السوري في مناطق شرق الفرات وقطع الطريق على النظام التركي لاحتلال المزيد من الأراضي السورية.
معركة إدلب اليوم لم تطلق بل استؤنفت ضمن سياسة القضم التدريجي التي يتبعها الجيش العربي السوري لما في ذلك من تقليل الكلف خصوصاً أن محافظة إدلب باتت تجمع كل الإرهابيين الذين زج بهم في الحرب على سورية بالإضافة إلى ما يقارب ثلاثة ملايين مدني تحت الإقامة الجبرية.
يبدو أن استئناف العملية اليوم يرتبط باستسلام تركي للضغط الروسي من جهة ولضغط الداخل التركي من جهة ثانية، مع العلم أن التراجع التركي في إدلب بدأ منذ خسارة «العدالة والتنمية» في الانتخابات المحلية التركية، ولعل النظام التركي بدأ ينزل عن كتفيه أعباء بات مدركاً أنها ستؤدي به إلى النهاية سريعاً إذا ما بقي متمسكاً بها.
إن استئناف الجيش حربه على التنظيمات الإرهابية في إدلب، الخميس الماضي، قد لا تكون المرحلة الأخيرة من هذه الحرب، إذ إنه قد يكون لهذه المرحلة حدود زمنية وجغرافية ستتوقف عندها لتثبيت الانتصار، اجتماعياً، عبر إعادة الأهالي إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم المحررة، هذا من جانب، وكذلك لتثبيت الانتصار اقتصادياً، إذا ما افترضنا أن الهدف الأولي للعملية هو السيطرة على كامل الطريق الدولي بين دمشق وحلب والمعروف بـ«م 5» الذي بات بعهدة الجيش باستثناء المسافة منه المارة بإدلب.
عودة الطريق الدولي بين حلب ودمشق للعمل يتطلب تحرير كل من مدينتي معرة النعمان وسراقب، وهما تشكلان هدف الجيش في عمليته العسكرية الحالية بعد أن استعاد خان شيخون في المرحلة السابقة منها.
فإذا ما تم النظر إلى شبكة الطرق السورية الرئيسية وعلى اعتبار أن «م 5» يربط محافظات حلب وإدلب وحماة وحمص ودمشق وصولاً إلى درعا جنوب البلاد، وبالتالي الحدود السورية الأردنية، فإن استعادة الجيش السيطرة الكاملة على هذا الطريق لا تقف عند حدود المحافظات الخمس المذكورة، بل لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الطريق الدولي «م 4» أيضاً بات في عهدة الجيش من حلب إلى الحسكة مروراً بمنبج ومسكنة والطبقة وعين عيسى وتل تمر وصولاً إلى الحسكة، حيث يقطع ريف الحسكة الشمالي ليصل إلى معبر ربيعة الحدودي مع الجانب العراقي.
أي إن أقصى جنوب البلاد بات مربوطاً بأقصى شمال شرقها، مروراً بمعظم المحافظات السورية، باستثناء المحافظات الساحلية اللاذقية وطرطوس، التي يصل إليها الطريق «م 4» بعد أن يخرج من سراقب منفصلاً عن «م 5» بعد أن يتحدا على طول المسافة من حلب إلى سراقب في إدلب، وهذا الطريق خارج عن السيطرة في إدلب أيضاً، وتتطلب استعادته تحرير كل من أريحا وجسر الشغور ولعل المدينتين تكونان ضمن أهداف المرحلة القادمة لعملية الجيش في إدلب.
إن استعادة السيطرة على الطرق الدولية في البلاد، سيفتح أيضاً الباب مجدداً لعودة حركة الترانزيت المتوقفة منذ عدة سنوات من تركيا إلى سورية ومن ثم الأردن وصولاً إلى الخليج، ولعل استعادة السيطرة وفتح الطريق الدولي «م 4» سيفرض إعادة فتح الطريق الذي يربط مدينة حلب بتركيا، والمعروف باسم طريق عينتاب، ولعله سيكون محور أي لقاء قادم بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب أردوغان أو سيكون محور محادثات جولة أستانا القادمة بعد الانتهاء من تطهير الريف الإدلبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن