ثقافة وفن

شاكر مصطفى الأديب وأحد أهم مؤرخي العصر الحديث

| جُمان بركات - تصوير: طارق السعدوني

يتميز بشخصية فكرية مميزة الحضور في البيئة الثقافية السورية، وبشخصية سياسية ودبلوماسية، وهو إلى ذلك شخصية أكاديمية مختلفة لم تتنازعها الأهواء. شاكر مصطفى من ذلك الجيل الذي انغمس في التراث والقراءة والتحليل، وهو بعد ذلك درس في المعاهد الغربية، فحاز المناهج البحثية الجديرة بالتقدير، ولم يكن بدعاً في ذلك، فالجيل الذي ينتمي إليه يحوز الاحترام ذاته من عبد الله عبد الدايم إلى حافظ الجمالي وسواهم.
وتحت عنوان: «شاكر مصطفى المؤرخ والأديب» ختم مدير الندوة د. إسماعيل مروة الندوة الشهرية من قامات في الفكر والأدب والحياة لهذا العام في مكتبة الأسد الوطنية.

المؤرخ

تميز شاكر مصطفى بعشقه للتاريخ، ولهذا غاص في دهاليزه يقرأ الحوادث متلمساً منها نبض الإنسانية من خلال الوقائع والأحداث من دون أن ينسيه عشقه للتاريخ الكلمة المرهفة، وعن شاكر مصطفى مؤرخاً قال د. محمود عامر:
بإصراره على التزام الجانب الإنساني، غدا من أبرز فرسان العصر الحديث علمياً وإنسانياً، ويتلمس القارئ لمؤلفاته الإنسانية فيجد كراهيته للظلم والظالم، وقد تفرد وحده بالمجاهرة من بين أقرانه.
لعل أكثر إنجازات مؤرخ المؤرخين شاكر مصطفى أهمية مشروعهُ الضخمُ المعنون بالتاريخ العربي وبالمؤرخين، والذي صدر الجزء الأول منه عام 1978م، هذا الكتاب الذي يجعلنا نسمي شاكر مُصطفى بمؤرخُ المؤرخين بحق، حيث تظهر أهمية هذا الكتاب في عدة سمات لعله الوحيد الذي تفرد ببعضها، فهو موسوعة تكاد تكون شاملة، أتى فيها على المؤرخين والمتحدثين في التاريخ العربي الإسلامي، وعدد هائل من المؤلفات التي أناطت هذا المجال بعنايتها، ويُعدّ كتابه من أكثر مؤلفاته أهمية، بذل جهداً كبيراً في كتابته ودقة معلوماته، وبإصداره جسّد أن التاريخ ذاكرة الشعوب، وأنه مؤرخ المؤرخين بجدارة لا لُبس فيها.
لقد اتسم مؤلفه بسمات عدة تفرَّد بها، فهو موسوعة تكاد تكون شاملةً، أشار فيها بأدب جمِّ وأخلاقية عالم إلى من سبقه من المؤرخين والمتحدّثين في التاريخ العربي الإسلامي، وكم كبير من المؤلفات التي حملت جهد تدوين الماضي، وسوّغ مؤرخنا دوافع القيام بعمله الجاد والأصيل بأسباب عدة:
دور العرب في ولادة علم التاريخ وتطوره ونمائه، وإسهامات العرب الجليلة والمشرفة لمؤلفاتهم التاريخية الضخمة والهائلة التي قدموها للعالم، وحملهُم التاريخَ وهمومَه والرحمةَ وثقلها أينما حلوا وأينما رحلوا.

ثقافة الغرب

منذ التاريخ العربي القديم كانت لنا صلات مع الغرب وعن شاكر مصطفى وثقافة الغرب تحدث د. راتب سكر: نستطيع التوقف على عتبات حوار شاكر مصطفى الثقافي والحضاري مع الغرب عبر نوافذ متنوعة في مقدمتها الصلة التاريخية للعرب عبر الكتب التي كتبها عن التاريخ العربي، وفي مقدمتها الدراسة التاريخية عن الأندلس، فهي كانت من أبرز محطات اللقاء والحوار بين العرب وإخوانهم الإسبان والبرتغال، وهذا لم يغب عن دراسات الرجل عندما درس التاريخ العربي، وأيضاً نجده في أطروحة الدكتوراه التي حازها من جامعة جنيف وكتبها باللغة الفرنسية، حيث يخص موضوع تاريخ السلجوقي الأيوبي الذي يعتبر جزءاً من المواجهة الحضارية في زمن ما يسمى بالحروب الصليبية، وفي هذه الرسالة اهتمام بالغرب في مراحل الصراع العسكري على الأرض العربية والذي لم يخلُ أيضاً من تواصل ثقافي وحضاري مع الغرب، غير أن الرجل في دراسته للتاريخ العربي القديم كان يدرك أن الحوار الثقافي والعلمي العربي الأوروبي كان العرب فيه هم المصدر الثقافي للغرب، وقد عبر عن ذلك صراحة في المقدمة التي كتبها لكتاب صديقه د. جوزيف الكلاس عن الأندلس ووضح ذلك الطابع التصديري للحضارة والثقافة من العرب إلى الأوروبيين.

والقضية التي أرقت المثقفين العرب في كتاب رافع الطهطاوي «تخليص الإبريز في تلخيص باريس» وهو بيان عربي حول كيف نرى الغرب؟ وكيف نتعامل معه؟ وفي الإجابة اجتهد شاكر مصطفى وكان له رؤيته الخاصة وقدم أدبه ودراساته في مرحلة من التصاعد الأممي لفكرة العالمية والحضارات عبر المناخ الستاليني حتى فترة الخمسينيات.

الأديب

وبدوره قال د. محمد شفيق بيطار عن ما كتبته مجموعة من محبي شاكر مصطفى:
قال الأستاذ عصام الحلبي في مطلع كتابه: جمع مصطفى من الصفات الجليلة من غزارة العلم وصدق العقيدة ونبل المقصد والوطنية الحقيقية الصادقة، مع تواضع العالم الحق في هذا كله والترفع عن صغائر الأمور.
وفي حديث المعجب قال عيسى فتوح: كان يكتب بدم القلب لا بالحبر، في المقالات التي كان يكتبها لمجلة النقاد، كنت أنتظر صدور العدد الجديد أسبوعياً من هذه المجلة لأقرأ مقالاته، ولا تزال صورته الكاريكاتيرية التي كانت تنشر في مقالاته مطبوعة في ذهني حتى اليوم، رأس ضخم وجسم ضخم على جسد صغير.
وكتب د. محمد الرميحي رئيس تحرير مجلة العربي عن كتاب شاكر مصطفى «تاريخنا وبقايا صور» وهو مجموعة مقالات قد كتبها في مجلة قال: ما أمتع أن تقرأ لشاكر مصطفى، بغير لقب لأن الناس ليست بالألقاب، ود. شاكر مصطفى لم يضع لقب «الدكتور» على أي من كتبه، وهذا من أدلة تواضعه، فبعض الكتاب عندي لهم طابع تخصصي، فهذا فلسفي وذاك سياسي وآخر اجتماعي ورابع علمي وغيره تاريخي أما حين تقرأ لشاكر مصطفى فتجده كل أولئك جميعاً.
أما نزار قباني صديقه الأثير، الذي كتب الكلمة الأولى في كتابه الأول «بيني وبينك» وجدت فيه من مراسلة نزار قباني له من خلال المقدمة التي كتبها لم يسمها نزار مقدمة بل دعاها أغنية لشاكر مصطفى يقول فيها: أفتكر وأنا أدير نقطة هنا وفاصلة هناك، وأداري ثيابي أن يقع الطيب يمطرني بها شاكر مصطفى، ما جدوى باب السنديان العتيق والجنينة على مبعدة خطوتين خطوتين، ما أسعدني لو تجاوزني الناس، لو تجاوزوا الباب الخشبي المتكئ على مفاصله إلى فسقية تتغرغر بأغنية إلى مدة عتابا بدأت منذ كان الشوق في بلادي ولم ينته بعد، ما أسعدني لو دفعت الباب ومشيت وحدك إلى الكرم لا تضيع أبداً ولا تضيع أحداً.

الناقد

واستخلص د. إسماعيل مروة الرؤية النقدية عند شاكر مصطفى بعدد من الجوانب:
النقد الذاتي: مع أن هذا المصطلح فقد بريقه لكثرة استخدامه من الطبقات السياسية والفكرية وحتى على صعيد الأفراد، فإن شاكر مصطفى من طينة أخرى، ينظر إلى نفسه بريبة، فعندما ينشر كتابه «بيني وبينك» يكتب مقدمته من لندن نزار قباني، وأظن أن نزاراً كان مشتهراً، وكتب أغنية لشاكر مصطفى لم يستطع أمهر الموسيقيين أن يعزفوها، أو أن يشابهوها، نزار يكتب مقدمة للكتاب، وشاكر يعمل على نقد ذاته نقداً قاسياً، وكأنه يسكنها ولا يهمزها، لتهدأ، وفي معرض نقدي لذاته قبل الآخرين، نجد عبارات شاكر مصطفى تهرب من الوعظ بعد أن تقدمت باستحياء، فهو قارئ لا يعرف غير التواضع ولا يتقدم ليكون موجهاً أو ناقداً أو واعظاً.

وفي النقد الفكري والسياسي هناك دراستان له عن حركة الوجودية الفكرية، وهو باحث متمكن عاش في باريس، التقى الوجوديين الفرنسيين وحاورهم واستمع إليهم ولكنه لم يعالج الوجودية كمولود حديث في البيئة الغربية، بل عالج مصطلح الوجود ووجوده في الحضارات المختلفة حتى وصل إلى وقتنا الراهن، فكان نقده علمياً إذ تناول: مفهوم الفكر الوجودي، وأهم مفكري الوجودية، وصراع الوجودية لتأخذ مكانتها بين المذاهب المعاصرة، ومرتكزات الفكر الوجودي.
ولا يأخذ شاكر مصطفى الناقد التاريخي الخبر الوارد في كتب التاريخ الكبرى على حاله، ولا يتعامل معه تعاملاً مقدساً لأنه جاء عن مؤرخين في مراحل سابقة، والأكثر أهمية أنه لا يبني عليه ما يوافق هواه السياسي والقومي ليتخذه ذريعة في وجه الآخرين.

وقد تكون آثار النقد الأدبي أكثر ظهوراً وبروزاً وخاصة من خلال رصده للقصة في سورية من خلال الكتاب الرائد الذي أصدر الجزء الأول منه، أن هذا اللون الأدبي «القصص» رغم ما قد نزعم له من جذور في أدبنا التليد، غربي الينابيع، حديث البراعم، وفي الغرب آداب شتى فيها للقصة مذاهب، وقد تدفق تأثيرها جميعاً فينا آداباً ومذاهب في وقت معاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن