قضايا وآراء

دبلوماسيو التحريض

| أحمد ضيف الله

المظاهرات العراقية الحالية التي مازالت بلا قيادة معلنة أو معروفة بالنسبة لعامة العراقيين، والتي أصبحت اليوم معروفة ومشخصة لدى الأجهزة الأمنية، لم تكن عفوية، إذ سبق أن روج لها قبل شهرين من بدايتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر حسابات إلكترونية أُنشئ العدد الأكبر منها في السعودية تلتها الإمارات ثم قطر والأردن، التي لم تتوقف حتى اللحظة بإطلاق سيل من الشتائم البذيئة بحق المرجعيات الدينية في النجف والحشد الشعبي وإيران، قاد بعضها رجل الدين والداعية الإماراتي الأردني وسيم يوسف صاحب حملة «أين السيستاني»؟
هذه المواقع لم تتوقف ثانية واحدة عن ضخ شعارات وأخبار كاذبة بحق إيران، التي يتم تبنيها وترويجها في ساحات التظاهر مثل «بغداد حرة حرة.. إيران بره بره»، وكالعثور على جوازات سفر إيرانية في ساحات التظاهر بعد التصادم مع القوى الأمنية، وكقيام قناصين إيرانيين باستهداف القوات الأمنية والمتظاهرين على حد سواء، وكدخول قوات كبيرة من الحرس الثوري الإيراني إلى العراق لقمع التظاهرات برفقة خبراء إيرانيين في هذا المجال، مستنهضة أحقاداً قديمة كانت الحرب العراقية الإيرانية قد سوقتها، وخلفت بنتيجتها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين، والخراب في كلا البلدين، ليقول صدام حسين بعد فوات الأوان «.. ويقيناً بأن الذي كان يغذي الحرب هي أطراف التحالف نفسها التي تقف بالخط المضاد، سواء كانت العربية منها أم التي تسمى عربية أو الأجنبية».
السفارة الفرنسية في بغداد نشرت بياناً في الـ8 من كانون الأول الجاري، بعد لقاء سفراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا مجتمعين رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذين طالبوا وفق البيان بـ«عدم السماح لأي فصيل مسلح للعمل خارج سيطرة الدولة»، وبـ«إعطاء أوامر لقوات الحشد الشعبي بعدم الوجود قرب مواقع الاحتجاج، وأيضاً بمحاسبة أولئك الذين يخرقون هذا القرار». وهو ما دفع الخارجية العراقية في اليوم التالي إلى استدعاء السفراء الثلاثة مجتمعين، والسفير الكنديّ منفرداً، رافضة ما جاء في بيانهم، وعدته تدخلاً «مرفوضاً في الشأن الداخليِّ للعراق»، ومؤكدة أن «العراق وعبر السنوات المُنصرِمة، وبما خاضه من تجارب أثبت أنه شعب ذو نضج عالٍ، وليس من حقّ أحد أن يتدخّل في إدارة شأنه، أو التعبير عنه، أو فرض وصاية عليه، وأنّ على جميع البعثات المُعتمَدة لدى بغداد التزام معايير العمل الدبلوماسيّ الذي ينظم العلاقات بين البلدان، ويُعزّز التعاون».
السفير الكندي لدى بغداد أولريك شانون، كان حكاية، فقد قصف العراقيين بسيل من التغريدات كان آخرها في الـ7 من كانون الأول الحالي، متسائلاً: «كيف نعيد استقرار العراق والدولة تسمح بوجود مجموعات مسلّحة تمثّل أجندات خاصة»؟ والوقاحة أن السفير الكندي لم يكن قد اُعتمد في بغداد بعد، إذ سلم أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية برهم صالح في الـ9 من كانون الأول الجاري!
دبلوماسيو التحريض في العراق أعادوا إلى الذاكرة ما سبق أن قام به السفير الأميركي روبرت فورد في الأسابيع الأولى من بداية التآمر على سورية، بذهابه إلى مدينة حماة للقاء من سماهم «الثوار»، وإطلاقه سلسلة من التصريحات التحريضية الوقحة، في خرق واستهزاء بكل الأعراف الدبلوماسية والأخلاقية.
إن سياسة مسك العصا من المنتصف في العلاقة مع إيران من جانب السعودية ودول الخليج العربي والأميركيين على وجه الخصوص من جانب آخر التي اتبعها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، أثبتت فشلها. فهذه السياسة لم تمنع الولايات المتحدة الأميركية وذيولها في المنطقة من وقف تآمرهم على العراق والعراقيين، ولا من السعي إلى تحويل العراق إلى ساحة صراع ضد إيران، على اعتبار أنها العدو الرئيس ومصدر الخطر على الأمة العربية، وليست إسرائيل التي أصبحت اليوم صديقة السعودية والبحرين والإمارات وقطر والحاضرة في كل فعاليات هذه الدول السياسية والاقتصادية والرياضية!. كما أن هذه السياسة لم توقف الجيوش الإلكترونية والفضائيات في تلك الدول من استمرار التحريض على العنف في العراق من دون هوادة، جاعلين من الشباب العراقي حطباً لمحرقة رتبوا لها، مستثمرين كل المستلزمات التي تدفع باتجاه حرب أهلية داخلية يخسر فيها الجميع باستثناء تجار الدم هؤلاء.
السياسة العراقية القادمة بحاجة إلى قائد يمسك العصا من طرفها لضرب كل من يقترب من أمن العراق واستقراره ورفاهية شعبه، ومن الأفضل أن يمسك بـ«مكوار»، ومن لا يعرف الـ«مكوار»، فهو عصا غليظة في نهايتها قبضة من الزفت القاسي، به واجه أجدادي في العراق المحتل البريطاني وهشموا رأسه وهزموه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن