يفصلنا عن موعد الانتخابات للكنيست الثالثة والعشرين شهران تقريباً والتي ستجري في 2 آذار 2020 وتكون ثالث محاولة تجد في نتائجها الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة فرصتها الأخيرة لتشكيل حكومة إما برئاسة رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وإما برئاسة منافسه بيني غانتس متزعم حزب «أزرق أبيض» وإما بمشاركة الاثنين.
والسؤال ماذا يعد نتنياهو من أوراق ينافس بها خلال هذين الشهرين وما سوف يجري فيهما من حملات دعائية وانتخابية خصمه بيني غانتس وحزبه؟
هل سيعتمد على الإعلان عن زيادة مشاريع الاستيطان في الأراضي المحتلة أم على «صفقة القرن» التي فشلت قبل أن تعلن تفاصيلها التي باتت شبه معروفة؟
هناك من يعتقد أنه سيراهن على أهمية المنافسة في ميدان تصفية عدد من قادة المقاومة في قطاع غزة أو خارجها وخاصة بعد أن أجبرته قوات الأمن على دخول ملجأ قبيل إلقائه خطاباً انتخابياً في مدينة عسقلان على ساحل المتوسط للمرة الثانية، فقد وقعت المرة الأولى حين كان في مدينة «أسدود» على الساحل نفسه أثناء حملته الأخيرة للانتخابات الماضية.
وربما هذا ما يشير إليه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أهم المقربين لنتنياهو في الليكود وفي الحكومة حين أعلن الخميس الماضي للإذاعة العسكرية الإسرائيلية ونشرته وكالة «رويترز» أيضاً، أن القيادة الإسرائيلية ستعود إلى تنفيذ سياسة التخلص من القادة الفلسطينيين وستقوم مخابراتها بتحديد دقيق للموقع الذي سينطلق منه أي صاروخ على إسرائيل لتصفية من أطلقه, وهذا لا يعني المقاتل الذي أطلقه لأنها تحاول القيام بهذا العمل عادة، لكن المقصود هو القائد الفلسطيني المسؤول عن إطلاق هذه الصواريخ بموجب ما يقوله المحللون العسكريون في إسرائيل، وإذا نظرنا إلى هذا التصريح كمجرد محاولة لـ«الردع» ولمنع التصعيد الفلسطيني في الشهرين المقبلين لموعد الانتخابات فإن هذا لا يمنع إسرائيل من تنفيذ هذه السياسة طالما أنها نفذتها مرات عديدة طوال فترة الحرب على قطاع غزة.
إن سجل إسرائيل في موضوع التصفية الجسدية يدل على أن السياسة الاستخباراتية الإسرائيلية تبنت مفهوماً يقوم على «تحييد دور وفاعلية أي قائد قادر على إلحاق الضرر الفادح بإسرائيل بواحدة من طريقتين: إما تصفيته بعملية عسكرية مباشرة أو غير مباشرة، وإما تصفية دوره مع بقائه حياً، وهذا يعني محاولة مهادنته والاستمرار بمهادنته ما دامت تراهن على أنه أصبح في داخل «حلقة المهادنة» ولم يخرج منها.
في حربها شبه اليومية على المقاومة في قطاع غزة ترى القيادة الإسرائيلية أنها أطول حرب شنتها منذ «فك ارتباطها» وانسحابها في آب 2005 من القطاع بقواتها وبمستوطناتها، وطوال هذه الحرب وأشكالها المختلفة وما تضمنته من جرائم ضد الإنسانية ومعارك متنوعة بأسلحة كبيرة، لم تتمكن القيادة الإسرائيلية من إيقاف تزايد قدرة المقاومة الفلسطينية في القطاع ولا من كسر إرادة الشعب المتمسكة باستمرار المقاومة.
أما في جبهة الضفة الغربية وعلى الرغم من اتفاقات التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية ووجود 500 حاجز وموقع عسكري إسرائيلي بين المدن والقرى الفلسطينية التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين من الفلسطينيين بما في ذلك مدينة القدس، لم تستطع إسرائيل إغماض أعين جنودها واستنفاراتهم اليومية لمنع أشكال وفعاليات المقاومة، ويعترف رئيس الأركان الإسرائيلي السابق غادي آيزنكوت بأن الفلسطينيين يخوضون حرب استنزاف يومية ضد إسرائيل من قطاع غزة ومن الضفة الغربية منذ احتلال هذه الأراضي في حزيران عام 1967، وأن هاتين الجبهتين تفرضان وجود ما يزيد على خمسين ألفاً من الجنود النظاميين المتأهبين يومياً لمنع عمليات المقاومة إضافة إلى قوات الأمن، وعلى الجبهة الشمالية مقابل جنوب لبنان يقدر آيزنكوت أن هذه الجبهة حتى لو كانت هادئة نسبياً إلا أنها لا تزال تستنزف قدرات بشرية وتكنولوجية عسكرية تحسباً من أي عمليات مفاجئة للجيش الإسرائيلي، وهذا يتطلب من الجيش ضمان حماية عشرات إن لم نقل مئات المستوطنات في الجبهات الثلاث: قطاع غزة وجنوب لبنان والضفة الغربية، على الرغم من أن المستوطنين لديهم أسلحة في تلك الأراضي المحتلة، وإذا أضفنا لهذه الجبهات التي تستنزف القوات البشرية لإسرائيل جبهة حدود الجولان، فإن مواقع الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل لا يمكن أن تغمض فيها أعين جنود الاحتلال وخاصة أنها لا تزال تضع القدرة العسكرية السورية وحلفاءها على جدول العمل الإستراتيجي، وحتى في مثل هذا الوضع السائد على كل هذه الجبهات الأربع لا تزال حرب استنزاف إسرائيل وقدراتها مستمرة من دون توقف وهذا ما يقلق تل أبيب وواشنطن العاجزتين عن تحقيق أهدافهما.
وإذا كانت حرب الاستنزاف المصرية لم تستغرق سوى ثلاث سنوات أعقبتها ثلاث سنوات اشتعلت فيها حرب تشرين 1973 وتحقق الانتصار فيها، فهل ستنتهي حرب الاستنزاف الراهنة بحرب تنتصر فيها قريباً سورية والمقاومة؟