قضايا وآراء

محور الاعتدال يطرق أبواب دمشق بأوراق حسن نية

| مازن جبور

يبدو أن السعودية امتثلت لمتغيرات الميدان في سورية، وباتت تقدم أوراق حسن النية الواحدة تلو الأخرى لقبول عودتها إلى دمشق، بانتظار أن تمنحها القيادة السورية الفرصة لتوبة نصوح بعد دخول الرياض بقطيعة مع الدور الذي مارسته خلال السنوات الثمانية العجاف التي مرت بها سورية.
مجموعة من المؤشرات التي برزت تدل على ذهاب السعودية في الاتجاه السابق، كان أولها الدعوة المزدوجة التي وجهت لاتحاد الصحفيين السوريين من قبل اتحاد الصحفيين العرب وهيئة الصحافة السعودية للمشاركة في اجتماع «اتحاد الصحفيين العرب» بالرياض وهو ما تم بحضور رئيس اتحاد الصحفيين السوريين موسى عبد النور، الذي كشف عن عرض هيئة الصحفيين السعوديين على الاتحاد السوري توقيع اتفاقية تعاون.
المؤشر الثاني يرتبط بما أشيع عن تحركات في مبنى السفارة السعودية بدمشق، في مؤشر على تجهيزات لعودة السفارة لمزاولة أعمالها، وهذه الأنباء والتجهيزات مشابهة لتلك التي سبقت إعادة فتح سفارة الإمارات العربية المتحدة في دمشق، وفي الإطار ذاته لا بد من الإشارة إلى التراجع في العداء تجاه سورية وقيادتها والذي أبداه القائم بالأعمال الإماراتي عبد الحكيم النعيمي خلال الاحتفال بالعيد الوطني للإمارات في دمشق مؤخراً، إذ أعرب عن أمله في أن «يسود الأمن والأمان والاستقرار ربوع الجمهورية العربية السورية تحت القيادة الحكيمة لفخامة الدكتور الرئيس بشار الأسد».
الموقف الإماراتي السابق ذو مدلولات بالنسبة لعودة العلاقات السورية السعودية، من باب أن الإمارات والسعودية على موقف واحد من الأزمة السورية منذ بدايتها، وعلى اعتبار أن العودة الإماراتية إلى سورية لم تكن دون اتفاق وتنسيق بين أبو ظبي والرياض.
كذلك، فإن التوجه السعودي الحالي لإجراء تغييرات في «هيئة التفاوض» المعارضة، وإن كان في جزء منه يرتبط بالعداء السعودي التركي، إلا أنه لا يمكن استبعاد أن يكون ما سبق من مؤشرات في إطار الغزل السعودي لدمشق وموسكو، خصوصاً أنه يترافق مع تراجع في الخطاب الإعلامي السعودي المعادي لسورية، لجهة خطاب أقل حدية وعدائية.
على خطا الرياض سار حلفاؤها في الأردن ومصر، وفي وقت سرت أنباء عن وفد أردني يضم برلمانيين ووزراء سابقين يستعد للقدوم لدمشق بضوء أخضر من عمّان لإعادة الود للعلاقات مع دمشق، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العديد من المواقف الإيجابية تجاه سورية.
إن التبدلات السابقة في الموقف السعودي وموقف حلفاء الرياض تجاه سورية، يمثل التقدم الميداني الكبير الذي يحرزه الجيش العربي السوري واقترابه من القضاء على الإرهاب واستعادة كامل التراب السوري، العامل الرئيس فيه، وإذا كان القبول السوري بعودة الرياض وغيرها إلى دمشق له حساباته الأمنية والاقتصادية والسياسية، إلا أن ذلك لن ينسي السوريين الدور العدائي الكبير الذي مارسته الرياض بحق سورية والسوريين.
إن النظر إلى علاقة سورية مع السعودية، يجب أن ينطلق من وضع سورية الراهن، إذ تعاني سورية منذ العام 2011 من أزمة مركبة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، كانت السعودية وما تزال فاعلاً رئيساً فيها، وتمثل عاملاً رئيساً للخروج منها.
في الوقت ذاته، هناك اعتمادية سورية على حلفائها، فالاعتمادية الاقتصادية السورية على إيران ازدادت بشكل مطرد خلال الأزمة، على حين أن الاعتمادية بين سورية وروسيا وإن لم تتضح بشكل كبير في المجال الاقتصادي بعد، إلا أنها باتت واضحة في المجال العسكري من حيث اعتمادية سورية على روسيا في مكافحة الإرهاب عبر الوجود العسكري الروسي الفاعل والمباشر على الأرض السورية.
وإذا ما أخذ بالحسبان أن مجلس التعاون الخليجي لديه مخزون قضايا خلافية كبير، ستجعل منه في مواجهة مع تحديات كبيرة وخطيرة تحدد مستقبله لسنوات طويلة قادمة، فإن الوضع السوري الراهن يقتضي النظر إلى استعادة العلاقات مع دوله، بوصفها عاملاً مساعداً في تعجيل الخروج من الأزمة، وعاملاً مهماً في ضمان الاعتماد المتوازن في علاقات سورية مع حلفائها.
انطلاقاً مما سبق أبدت سورية ومن المرجح أنها ستبدي المزيد من القبول بتفعيل علاقاتها مع محور الاعتدال العربي، إلا أن ذلك التفعيل لا يخرج من إطار الاعتراف بانتصار سورية في الحرب عليها والدائرة منذ العام 2011.
تقتضي عملية صياغة الرؤية المستقبلية لعلاقة سورية مع الدول العربية التي ناصبتها العداء، التأكيد على مبدئية وثوابت سورية من حيث أن عودتها إلى البيت العربي لا يرتبط بالمطلق بعلاقاتها البينية ضمن محور المقاومة.
ومن المهم بمكان النظر إلى مسألة نقطة العودة للعلاقات السورية – العربية، هل من حيث انتهت؟ أي أن تتم العودة إلى طبيعة العلاقات قبل 15/3/2011، أم هل سيتم تصفير العلاقة والبدء بوضع ركائز جديدة لها؟ أو هل لدى سورية شروطاً مسبقة يجب تحقيقها لعودة العلاقات؟ هذه الأسئلة يجب أن توضع موضع الإجابة وأن تدرس خياراتها بدقة ومن منظور إستراتيجي.
كما يجب الحذر من الوقوع في شرك تضليل الرأي العام العربي حول هوية سورية العربية المقاومة المتمسكة بالقضايا العربية المبدئية، والاستفادة من عودة العلاقات معها في تمرير عملية التطبيع.
وأياً كان الخيار والشكل والنقطة المحتملة لعودة العلاقات السورية – العربية، لا بد من التنبه إلى أن جزءاً مهماً من الدول العربية المقاطعة لسورية تعمل ضمن مفهوم التبعية لواشنطن، ومن ثم فإن عودة علاقاتها مع سورية، لن يخرج من إطار رهانات أميركا على المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن