قضايا وآراء

المواجهة الوطنية لقمة الإرهاب الاقتصادي الأميركي – «قانون قيصر»

| د. قحطان السيوفي

سيذكر التاريخ أن رجل أعمال متهوراً وصل البيت الأبيض في واشنطن باعتباره الرئيس 45 للولايات المتحدة الأميركية. هذا الرئيس عُرف أنه مزاجي شعبوي عنصري لا يؤمن بالاتفاقات الدولية، صهيوني الهوى، قدم لإسرائيل ما لم يتجرأ على فعله أي رئيس أميركي سابق واستعاض عن التدخل العسكري المباشر ضد الشعوب والدول بتطوير العقوبات الاقتصادية كنوع من أسلحة الدمار تستخدمها أميركا للحصار الاقتصادي، وإجراءات ضغوط استعمارية لفرض إملاءات خارجية مشبوهة، وإفقار الشعوب، ما أدى لتصغير وتقزيم للقوة والغطرسة الأميركية.
تعود العقوبات الأميركية على سورية إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وفي عام 2004 عززت واشنطن هذه العقوبات بعد إدانة سورية للاحتلال الأميركي للعراق.
في عام 2011 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات كما فرضت الجامعة العربية عقوباتٍ على قطاعات في سورية، العقوبات الجائرة على مؤسسات الدولة السورية ظلت ملازمة للإرهاب المعولم، الذي أطلق من أنحاء العالم كله باتجاه سورية آخرها ما سمي «قانون قيصر» الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في21 كانون أول 2019، وينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها إيران وروسيا لمدة 10 سنوات.
«قانون قيصر» يمثل الإرهاب الاقتصادي، بكل وحشيّة وعنجهيّة وسيكون له تأثير مباشر على سورية شعبا وحكومة، ولكنه لن يحقق أهدافه في إخضاع سورية إلى الإرادة الأميركية، هذا القانون عاد لتزوير الحقائق مستعيناً بنغمة الأسلحة الكيميائية، واعتبار الإرهابيين مدنيين، رغم كل الدلائل والوقائع التي أثبتت كذب هذا الادّعاء، حتى في المحافل الدولية فرض «قانون قيصر» عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة تتعامل مع الحكومة السورية الشرعية أو يوفر لها التمويل.
القانون يشمل الجهات التي توفر الطائرات أو قطع غيار الطائرات لشركات الطيران السورية، أو من يشارك في مشاريع البناء والهندسة التي تنفذ في سورية أو التي تدعم صناعة الطاقة في سورية.
«قانون قيصر» موجه بالدرجة الأولى لتكريس هيمنة أميركا على سورية، ومنع أي دولة بالتحرك من دون الرجوع لها، وبالتالي يخدم مصلحة إسرائيل، والعدالة التي يدعيها قانون إدارة ترامب مقتصرة على دعم الإرهابيين، في وقت تقوم أميركا بسرقة النفط السوري وتزوير الحقائق غير آبهة بشرعة الأمم المتحدة.
إقرار «قانون قيصر» يهدف إلى عرقلة عملية تقدم الجيش العربي السوري ومحاولة منعه من تحقيق انتصارات، يزعم القانون كذباً أن هدفه «حماية السكان المدنيين في سورية».
وينص على اتخاذ إجراءات إضافية ضد الجهات التي تدعم العمليات العسكرية للقوات الحكومية السورية، وخاصة روسيا وإيران، وفرض عقوبات على الشركات ألأجنبية التي تقدم أي دعم لعمليات الجيش السوري.
إن توقيت إصدار هذا القانون مرتبط بمناخ سياسي دولي، وملامح انفتاح عربي على سورية والأهم نجاحات الجيش العربي السوري في دحر الإرهابيين، ما أضعف هيبة إدارة ترامب للتأثير في مجريات الأحداث، لأن هذه الأخيرة تريد تحقيق مكاسب سياسية، إضافة إلى كون العقوبات تمثل وسيلة ضغط على اللجنة الدستورية. إدارة ترامب تحاول لعب دور أساسي لعرقلة اكتمال الانتصار السوري. ترامب لا يريد أن تحقق سورية انتصاراً سياسياً بعد الانتصار العسكري ولا يريد لروسيا أن تظهر على أنها قادرة على تغيير موازين القوى، على الساحة الإقليمية والدولية، بعد أن تراجع دور واشنطن.
هذا القانون يشكل أحد أساليب الهيمنة الأميركية، والضغط الاقتصادي على سورية وحلفائها ويمثل إرهابا اقتصادياً بامتياز على دولة تحارب الإرهاب منذ سنوات.
«قانون قيصر» محاولة لتركيع الشعب السوري، لكن صمود سورية قد عطل الإرادة الأميركية، وهو محاولة لحصار الدور الروسي الذي يسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة ومواجهة المشروع الأميركي الهادف لتقييد الدور الروسي والصيني المقاوم.
ترافقت العقوبات الغربية التي تمس حياة السوريين مع تدمير ممنهج للبنية التحتية للمدن والقرى «النفط، الكهرباء، المياه، الصحة، التعليم إلخ»، كان الهدف المباشر لكل هذا الإجرام محاولة تدمير الدولة السورية ومؤسساتها، لكن المحاولة فشلت واستطاع الجيش العربي السوري تحرير مناطق واسعة من سيطرة الإرهابيين وداعميهم، وبدء إعادة الحياة الطبيعية إلى تلك المناطق.
لاشك أن إيران وروسيا اللتين فرضت واشنطن عقوبات عليهما قادرتان على مواجهة «الإرهاب الاقتصادي» للولايات المتحدة بشكل مشترك، وجاءت المناورات البحرية لإيران وروسيا والصين في المحيط الهندي رسالة قوية لإدارة ترامب مضمونها مكافحة الإرهاب والقرصنة، ورداً على انتهاك واشنطن المبادئ الأساسية للقانون الدولي وحقوق الإنسان وحماية أمنها على حساب حالات انعدام الأمن في البلدان الأخرى.
الرئيس الإيراني حسن روحاني قال في قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في أرمينيا: إن قيام الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات على الدول واستخدام الدولار كسلاح ضدها يعد إرهاباً اقتصادياً. العقوبات الاقتصادية خلفت آثاراً على الاقتصاد السوري الذي كان يتمتع بنوع من الاكتفاء الذاتي.
الحكومة مسؤولة أولاً عن هذا الموضوع لكنها لا تتحمل وحدها مسؤولية إدارة كل الأزمات بما فيها أزمة الدولار التي لها علاقة بالعقوبات والضغوط الاقتصادية الخارجية وأيضاً برجال الأعمال والمضاربين السوريين، وعلى الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية دعم الجهود الحكومية ومساندتها، وعلى القطاع الخاص كحامل وطني المساهمة في مقاومة العقوبات الأميركية الظالمة إلى جانب القطاع العام.
الأزمة ظرف غير عادي، تتطلب إجراءات ومعالجات غير عادية، وتحتاج لقرارات شجاعة، وحكيمة وواقعية، لابد أن تضع الجهات المسؤولة في الحكومة سلّماً واقعياً لأولويات العمل بهدف مواجهة تداعيات الأزمة والعقوبات.
سورية قادرة على إيجاد بدائل لأسواق الدول التي تقاطعها استيراداً وتصديراً وخاصة تعزيز الاتجاه شرقاً، والتعاون مع مجموعة «بريكس». في مقدمة الأولويات الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين ضمن الإمكانات المتاحة، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي إضافة إلى دعم وتشجيع الصادرات والاعتماد على مواردنا وإمكاناتنا الذاتية.
هذا يحتاج لمبادرات، يمكن أن يكون الحصار حافزاً للإبداع لأن الكوادر الفنية والتقنية الوطنية تستطيع في ظروف الحصار أن تقوم بأعمال إبداعية لمواجهة الحرب الاقتصادية ضد سورية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية.
المواجهة الوطنية من الشعب والدولة في سورية للعقوبات الاقتصادية الأميركية وآخرها «قانون قيصر» الظالم تتطلب الرد المناسب والحاسم بتعزيز الوحدة الوطنية والتعاون والتنسيق مع حلفاء وأصدقاء سورية، ما يحقق استعادة الجزيرة السورية المحتلة التي تعتبر الخزان الاقتصادي لسورية من قوات «قسد» والمحتل الأميركي والتركي.
سورية صمدت بشعبها ودولتها وبتضحيات جيشها ووحدتها الوطنية بوجه الحرب الإرهابية الكونية، وأعتقد أن سورية، بالتعاون مع حلفائها، قادرة على تجاوز كل التحديات والعقوبات الأميركية عليها، كما أن مزيداً من دوران العجلة الاقتصادية في سورية ووسائل الإنتاج وتوفير المزيد من السلع والخدمات بأيدٍ سورية سوف يمنح الشعب مزيداً من القدرة على المواجهة الوطنية للعقوبات الأميركية وآخرها «قانون قيصر» الذي يمثل قمة الإرهاب الاقتصادي الأميركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن