من دفتر الوطن

رسالة وداع

| عصام داري

ساعات قليلة ونعبر الحدود الوهمية التي وضعناها بين عامين، وأعدكم أن شيئاً لن يتغير بين عام نودعه هذه اللحظات، وعام نفتح له ذراعينا بعد ساعات معدودات.
ربما الشيء الوحيد الذي سيتغير هو أعمارنا، فعندما نعبر تلك البوابة الوهمية نكون قد أغلقنا صفحة من أعمارنا ملأناها بالسواد، لنفتح صفحة جديدة بيضاء «سنخربش» عليها باللون الأسود من جديد، وتتكفل أيام العام الجديد بالرسم عليها بكل الألوان، مع تمنياتنا لهذا العام القادم إلينا من عالم المجهول في أن يستخدم الألوان الزاهية ويبتعد عن الألوان الداكنة والسوداء لأننا اكتفينا بالسواد الحالك طوال سنوات خلت.
نودع العام 2019 لنستقبل عام 2020 وكلنا أمل في أن يكون سخياً كريماً ليس كأخيه الراحل الذي كان بخيلاً شحيحاً، بل كان غادراً كبعض بني البشر، ولا أدري ما إذا كانت السنوات والأيام قادرة على استنساخ طبائع البشر، وإذا كانت كذلك فلماذا تستنسخ طبائع الغدر والنكران والقسوة والبغضة ولا تستنسخ طبائع الطيبة والخير والكرم والتسامح والمحبة والعدل والسلام، ويا سلام سلم.
رسالة الوداع التي أخطّها للعام المنصرم لا تحمل له أي ود على الإطلاق، على المستوى الشخصي على الأقل بطبيعة الحال، فلم تحمل لي السنة الماضية أخباراً حلوة وبشائر خير أو فرصاً جديدة تنعش النفس والروح وتشعل النشاط والحركة وتفتح بوابات الحب والفرح والبهجة.
لكنني استطعت التغلب على «نكد» وشغب ومشاكسة السنة الفائتة وألاعيبها بالعزف على وتر التفاؤل، ومحاولة فتح نوافذ جديدة للأمل كانت موصدة بقفل صدئ ومفتاح ضاع في زحمة الحياة.
صحيح أنني لم أحصد الكثير من الثمار في هذا الموسم القاحط، لكنني صنعت من التفاؤل والأمل عكازين أتوكأ عليهما ريثما تأتيني البشارة من العام الجديد الذي يحل علينا صبيحة الغد.
ولأنني أتفاءل بالمطر ومواسم الثلج والضباب والغيوم التي تحمل الخير والبركة، فأنا أتفاءل اليوم مادام العام الجديد قادماً على ظهر «منخفضات» جوية روت التربة العطشى، وغسلت الأزقة والدروب التي مشت عليها أقدام طاهرة وأخرى آثمة.
التفاؤل بالعام الجديد لا يعني أنني أزعم أنه سيحمل الرخاء والبحبوحة لي ولبقية خلق اللـه من السوريين وأن الفساد سيتوارى إلى الأبد، وأن حملات مكافحته والتشهير بالفاسدين والمفسدين سيجعلهم يشعرون بالخجل الشديد وبالتالي سيعيدون مليارات الليرات والدولارات إلى مكانها الأول حيث كانت، أي إلى خزينة الدولة، فهذا محال، فكيف سنعيش من دون فساد وفاسدين؟
هل تعلمون أن الجهات المختصة لو استطاعت القضاء على الفساد فأنا شخصياً سأفقد مصدر رزقي الأساسي، فهل أكتب – مثلاً – ذكريات الفساد الذي كان؟ شعبنا يحب الحاضر وليس مستعداً لسماع قصص التاريخ، حتى لو كانت حول حروب كاسحة ضد الفساد والفاسدين وفي آخرها انتصر الخير– لا سمح اللـه– على الشر، فالفساد صار من تراثنا الذي نفتخر به وفلكلورنا الذي يتحدث عنه العالم أجمع، ولن نسمح بالقضاء على أبرز معالمنا التي يتندر بها العالم.
لماذا أُكثر من الحديث عن العام الجديد ما دمتم ستتعاملون معه منذ الغد، والتجربة خير من كل الكلام، فاستعدوا للمفاجآت بالجملة والمفرق، وأتمنى أن تكون أجسادكم تتحمل الضغط والتعب والتعتير.. وكل عام وأنتم.. كما أنتم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن