الأولى

الاستعمار الأوروبي الجديد

| تييري ميسان

نقض مجلس رؤساء الدول والحكومات الأوروبية تعهداته إبان انتخاب البرلمان الأوروبي، حين لم يعين الفائز على رأس القائمة بالانتخابات كرئيس للمفوضية الأوروبية، وقبل بتعيين شخصية من خارج هذه المنافسة، وهي وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فان دير لين، مستبعداً بذلك شخصية تم اختيارها مسبقاً لتمثيل مصالح الأطلسي، واختار شخصية أخرى من أتباع المستشارة أنجيلا ميركل.
تقلدت السيدة فان دير منصبها الحالي في أوائل شهر كانون الأول، وقدمت برنامجها عبر سلسلة من الخطابات المتوالية.
تحدثت أمام أعضاء البرلمان عن رؤيتها لأيديولوجية الاتحاد الأوروبي الجديدة، مستعينة بالعديد من المفاهيم المأخوذة عن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وأعلنت بوضوح تام أمام رؤساء الدول والحكومات عن لون سياستها: «إذا كانت الدول الأعضاء راغبة في استعادة النفوذ السابق لإمبراطورياتها الآفلة، ينبغي عليها استخدام القوة».
يقدم الاتحاد الأوروبي نفسه للعالم كمدافع عتيد عن «الكونية». ولكن ليس بالمعنى الذي كان شائعاً خلال القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، المتمثل بمقارعة الاستعمار والتسلسل الهرمي المفترض للأجناس البشرية، إذ لم تعد، من الآن فصاعداً، مسألة تأكيد المساواة بين الجميع أمام القانون، أياً كانت أصولهم أو أوضاعهم الاجتماعية أو معتقداتهم الدينية، بل التأكيد على المساواة بين الجميع بغض النظر عن البلد الذي يهاجرون إليه، بما يفضي ضمناً لمفهوم عودة الاستعمار.
طورت الرئيسة الجديدة للاتحاد الأوروبي أيديولوجية غريبة تجمع بين حق أي شخص في الهجرة إلى أي مكان، وحرية حركة رأس المال التي من شأنها تسهيل التهرب الضريبي محلياً.
ولكن، بتجاهلها لمبادئ عالم الفلك ميلانكوفيتش، فهي تصر على نسب تغيرات المناخ إلى النشاط البشري، وبالتالي تأمل في إنقاذ صناعة السيارات الألمانية من الإفلاس من خلال إجبارها على التحول إلى المحرك الكهربائي.
وأملاً في بلوغ مآربه الاستعمارية فعلاً، فقد لجأ الاتحاد الأوروبي قبلها إلى استخدام محكمة الجنايات الدولية، التي يمولها بسخاء، والتي كانت في الماضي أداة لإدانة الزعماء الأفارقة الذين يعارضون مصالحه، فأصبحت الآن أداة للسيطرة الأوروبية على العالم برمته.
وهكذا رأينا أولى المحاولات الفاشلة للاتحاد في إدانة الفائزة بجائزة نوبل للسلام، البورمانية أونغ سان سو كي، بسبب مقاومتها للجهاديين السعوديين في بلادها، ومحاولته الفاشلة الثانية أيضاً في توجيه اتهام للرئيس بشار الأسد للأسباب السابقة نفسها.
سيكون لدى الاتحاد، من الآن فصاعداً، نظام عالمي جديد للعقوبات ضد انتهاكات حقوق الإنسان، ولا يهم ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من تعريف بهذا الخصوص، فللاتحاد الآن تعريف آخر: انتهاك حقوق الإنسان، في الصين وروسيا وحلفائهما فقط.
وبما أن الاتحاد لايملك في الوقت الحالي جيشاً عرمرماً لتحقيق تطلعاته الاستعمارية، فهو يعتزم استخدام الجماعات الإرهابية، ولايتردد بطبيعة الحال في نعتها بالإرهاب حين تمارس نشاطها مثلاً في تركيا، وإضفاء صفة المقاتلين الحالمين بالحرية عندما يقاتلون في سورية.
وفي العمق، يتبنى الاتحاد الإستراتيجية العسكرية التي وضع أسسها دونالد رامسفيلد في عام 2001 والأميرال الأميركي آرثر سيبروفسكي.
وبينما لانكاد نجد شخصاً واحداً في الولايات المتحدة يمكنه أن يشرح للعالم أسباب إخفاق البنتاغون خلال ثمانية عشر عاماً في تهدئة الأوضاع في أفغانستان، نجد أشخاصاً في الاتحاد الأوروبي يقترحون إطالة أمد الحرب إلى ما لانهاية في ذلك البلد المنهك.
تعتزم رئيسة الاتحاد الجديدة أيضاً استئناف أسوأ ما في أحشاء «الإمبراطورية الأميركية» بعد انسحاب القوات الأميركية الذي أمر به دونالد ترامب في الشرق الأوسط الكبير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن