هل أُقرِئكم سراً؟ عندما علمتُ أن عطلةَ الصحيفة بمناسبةِ عيدِ رأس السنة ستكون الأربعاء لا الخميس شعرتُ بنوعٍ منَ الإحباط، إذ عليَّ إرسالَ زاويتي الأسبوعية وهو ما لم أكن راغباً فيه. عدم الرغبة هذا لم يكُن مرتبطاً بنزوعٍ نحوَ التقاعسِ عن العمل ما عاذَ الله، ولا بسببِ شحٍّ في الأفكار بكلِّ تأكيد، القصة ببساطةٍ هي جنوحٌ للهروبِ من الكتابةِ في أولِ يوم عملٍ في السنةِ الجديدة، هو نوعٌ من الهروب التكتيكي، لكن ليسَ على طريقةِ شُذَّاذِ الآفاق في هذا الشرقِ البائِس، بل على طريقةِ من لا يمتلكون جواباً للسؤالِ الجوهري الذي يفرِض نفسهُ في الأيامِ الأولى من كلِّ عامٍ جديد: ما أمنياتك؟
بشكلٍ عام فأنا أكرهُ كثيراً ما يسمونهُ الطاقةَ السلبية ولا أحبُّ القراءةَ لمن ينشرونها أو يعومونها، حتى من يُصاب بالإحباط نتيجة لحدثٍ ما أو قراءة خاطئة ما ربما من الأفضلِ لهُ إن كان عاجزاً عن إشعالِ شمعة في هذا الليلِ الحالك انتظار ساعةَ شروقِ الشمس بهدوء، لا لعن الظلام على الملأ. لكني بذاتِ الوقت لستُ مع الإفراطِ في التفاؤل، لأن إفراطاً كهذا هو نوعٌ من الدخولِ في متاهةِ أحلام اليقظة التي تودي بصاحبها نحو الجنون، إذ إن الحياة علمتنا بأن هناكَ فرقاً كبيراً بين الإفراطِ في التفاؤل والواقعية.
ربما أن أولى درجات الواقعية قبلَ الحديثِ عن أمنياتنا في هذا العام الجديد إدراكنا أننا ننتمي لهذا الشرق البائس، هنا حيث الأُمنيات مؤجلة، والأحلام لم تَبدأ بعد، حتى من يظنون أنفسهم بعيدين جغرافياً عن جذورِهم عليهم أن يتذكروا أن انسلاخَ الإنسان عن بيئتهِ وجذوره هو ضياع ستظهر نتائجهُ تباعاً، هل من المعقولِ إنه لم يبقَ لكَ في هذا الشرق ما يعنيك؟
في هذا الشرق حيث يمتلك كل من لا ينتمي لمنطقتنا حريةَ التحكمِ بمصائرنا، فنتّحد بأوجاعنا لتصبح الاشتراكية هي العدالة بتوزيعِ الحزن بالتساوي على من صُلبوا وهم مؤمنون بأن الأوطان ليست مغارة علي بابا. تخيَّل أن تكونَ أمنيتكَ هي نجاحكَ بالتمردِ لدرجةٍ لا تعطي فيها خدك الأيسر لمن ضربكَ على خدكَ الأيمن، تخيل أن تفرطَ بالأمنيات لدرجةٍ قد تثور فيها على قهركَ وقاهريك كما ثارَ غيرنا من قبل، لكن دون أن تتركَ لهم «داراً آمنة» يدخلونها.
إن التفاؤل هو إيماننا الراسخ بأن كل هذه الأمنيات سيأتي يوم وتتحقق، فمن الوهمِ الظنَّ أن الانهزام قدَر، لكن في الوقت ذاته واهمٌ من يظن أن النجاحات تأتي بالتمني، علينا فعلياً أن نقفَ على ناصية الأمنيات لا لنقاتل فحسب لكن لنبحث عن اللبنةِ الأولى لأمنياتنا، أمنية واحدة قادرة ببساطة أن تختصرَ كل هذه الأمنيات فهل هذا ممكن؟
الجواب ببساطةٍ: نعم، هناكَ أمنية واحدة قادرة أن تريحنا من عذاباتنا وتنتشلنا من جحيم الفوضى والضياع إن تحققت فهي قادرة أن تجعلنا نُعري الحزن ونسخرُ من الذل وتعيد الجميع من دون استثناء إلى أحجامهم الطبيعية، أمرٌ وحيد علينا جميعاً أن نتمناه في هذا العام الجديد لأنهُ إن تحقق فسيكون نقطةَ العبور نحوَ الأمل، أن ينضبَ النفط والغاز من كل الخليج العربي لتتحقق المعادلة التي ننتظرها جميعاً:
خليجٌ بلا نفط، شرقٌ بلا حروب.. عندها فقط ستكون باقي الأمنيات مجردَ تفاصيل.
كل عامٍ وسورية بجيشها وشعبها وقائدها بألف خير والرحمة للشهداء.