ثقافة وفن

دراسة حول القصور في بلاد الشام في الممالك القديمة وعلاقتها بالبيئة والحضارة

| سوسن صيداوي

حضارة بلاد الرافدين.. حضارة أصيلة بمعنى أنها لم تكن مستنسخة عن غيرها من الحضارات. وقدمت الكثير من الإنجازات في مختلف الميادين (الكتابة، الفن، العمارة، العلوم، القانون…. إلخ) خلال عصورها التاريخية التي تبدأ مع نهاية الألف الرابع وبداية الألف الثالث ق. م.
وأكثر ما يهمنا الحديث عنه هو الفترة التي تمتد من عصر سلالة أور الثالثة (2112/2004ق.م)، إلى نهاية العصر البابلي القديم(2004/1595ق. م) فلقد حدث خلال هذا العصر تطور كبير على صعيد المؤسسة الملكية. وبالنسبة إلى مصطلح بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين لأول مرة، فلقد استُخدم في اليونان، والمقصود به المنطقة الواقعة في حوض الرافدين بين نهري دجلة والفرات، والتي تشمل العراق بحدوده الحالي وشمال شرق سورية. هذه المنطقة التي تقسم إلى منطقتين رئيسيتين:المنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية. وللمزيد سنورد لكم تفاصيل أكثر وردت في البحث:العمارة الملكية في بلاد الشام… من عصر سلالة أور الثالثة، إلى نهاية العصر البابلي القديم (2004/1595ق. م) لمؤلفه د.حسان عبد الحق والصادر عن الهيئة السورية العامة للكتاب.

الهدف من البحث

أوضح د. حسان عبد الحق في مقدمة كتابه أن هذه الدراسة تسعى لتحقيق العديد من الأهداف، مشيراً أن من بينها تحديد وتوضيح الوظائف الرئيسة للمباني الملكية الرافدية والتي تعود إلى المدة الممتدة من عصر سلالة أور الثالثة، إلى نهاية العصر البابلي القديم خاصة، والقصور الأخرى داخل بلاد الرافدين وخارجها، التي تؤرخ بفترات مختلفة من عصر البرونز. متابعاً: إن هناك هدفاً آخر يتجلى في إظهار التشابهات والاختلافات بين القصور الرافدية التي درسها سابقاً العديد من علماء الآثار وبين القصور التي اكتشفت حديثاً نتمنى من خلال ذلك إنتاج عمل علمي جديد، يحقق المنفعة العلمية للباحثين في هذا المجال، يضاف إلى الأعمال الأخرى التي تزخر بها المكتبات». متابعاً بمكان آخر: لهذا البحث أهمية في مجال العمارة عامة، وفي مجال العمارة الملكية خاصة، لأنه سيحاول إيجاد أجوبة لكثير من الأسئلة المتعلقة بالعمارة الملكية المؤرخة بالعصر الممتد من نهاية البرونز القديم إلى نهاية البرونز الوسيط. إنها أسئلة لم يستطع الباحثون الإجابة عنها إجابة قطعية بسبب توقف أعمال التنقيب في الكثير من المواقع الأثرية، ما أدى إلى عدم التمكن من الحصول على نتائج جديدة تساهم في حسم الكثير من القضايا. إضافة إلى ذلك دراسات المقارنة التي سيقدمها البحث ربما تساعدنا في إثبات وظائف مختلفة الأجنحة في القصور، وإظهار السمات المعمارية الأساسية لها. وقد لفت د.عبد الحق إلى أن لهذه الدراسات أهمية أخرى تتمثل في إبراز التشابهات والاختلافات بين القصور الرافدية والقصور الشرقية الأخرى، وهو ما يساعد في تحديد المباني الأكثر تطوراً والأعظم مكانة في الشرق الأدنى.

في الأبواب

يتألف البحث من ثلاثة أبواب رئيسة:الباب الأول يتناول دراسة معمارية لقصور جنوبي بلاد الرافدين، ويتألف من خمسة فصول، يحوي كل منها دراسة مفصلة عن أحد القصور، التي رتبت من الأقدم إلى الأحدث: قصر أور، قصر السلالات الأمورية في تل أسمر، القصر والمبنى 50 في لارسا، قصر سينكاشيد في أوروك. وتجدر الإشارة إلى أنه وقبل إجراء الدراسة المعمارية لأي مبنى يحاول د. حسان عبد الحق التمهيد بمقدمة عامة عن الموقع الأثري، متناولاً فيها تاريخه وموقعه الجغرافي وتاريخ تنقيبه وحركة التمدن فيه، وما يجذب الانتباه في هذا القسم من البحث قصر تل أسمر الذي لقي تجديدات كثيرة خلال فترة استخدامه، حيث نتج عنها ست مراحل معمارية تنقسم إلى نوعين: النوع الأول يقدم لنا عدة مراحل معمارية تنسب كل واحدة منها إلى ملك من الملوك، ويعرض لنا النوع الثاني مراحل معمارية أخرى يعود كل منها إلى عدة ملوك وليس إلى ملك واحد.

في حين يفتح الباب الثاني البحث حول قصور شمالي بلاد الرافدين، وقد مضى الباحث في منهجيته المتبعة في القسم الأول. ويدرس هذا القسم سبعة فصول للقصور التالية: قصر ماري الملكي والشرقي الصغير، قصر (A) في توتول، قصر آشور، قصر شامشي أدد وقصر كارني ليم في تل ليلان، قصر تل الرماح. وأكد الباحث على نقطة مهمة ومن الناحية العلمية يعتبر قصر ماري الملكي أكثر أهمية من القصور الأخرى التي يدرسها هذا الباب، والسبب في ذلك أنه محفوظ جيداً ويحوي ترتيبات مهمة تساعدنا في تحديد وظائفه، ما يمكننا من تقديم صورة واضحة عن العمارة الملكية في نهاية الألف الثالث وبداية الألف الثاني في بلاد الرافدين.

بينما في الباب الأخير يتقدم باحثنا بمقارنات بين القصور الرافدية للفترة التي خصصها البحث وأشرنا إليها أعلاه وبين القصور التي تنتمي إلى الحضارات المجاورة من جهة أخرى. لافتاً إلى أن هذا الباب يتألف من ستة فصول:تقنيات البناء، الإضاءة، الطابق العلوي، العلاقة بين عالم القصر والعالم الخارجي، الوظائف الرئيسية للقصور الرافدية المؤرخة بعصر البرونز، دراسة مقارنة بين قصور عصر سلالة أور الثالثة والعصر البابلي القديم، وبين القصور الشرقية الأخرى والقصور الرافدية من فترات أخرى.

مصاعب ومشكلات

في نهاية الحديث لابد أن نسلط الضوء على المصاعب التي واجهت الباحث خلال دراسته، والتي تعلّق أولها بعدم استكمال أعمال التنقيب في بعض القصور، حيث لن يتمكن الباحث في هذه المرحلة من أن يعرف المساحة الحقيقية لهذه المباني، وعدد أجنحتها، ووظائفها الحقيقية، ولا يمكن أيضاً تحديد أماكن بواباتها. في حين المشكلة الأخرى التي واجهت د. حسان عبد الحق في هذه الدراسة تتمثل في حالة الحفظ السيئة لعدد من المباني أو لبعض أجنحتها، ما صعّب عليه معرفة وظائفها ومساحتها وطريقة اتصالها بالأجنحة الأخرى، خاتماً بتمنياته أن يساهم بحثه هذا بتقديم دراسة مميزة عن القصور وبأن يضيف للأبحاث التي قدمها الآثاريون والمؤرخون عن الأبنية الرافدية الجديد والمفيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن