الأولى

الجدية الروسية والمراوغة الأميركية

بيروت – محمد عبيد :

يبدو أن الاتصال الهاتفي العاصف الذي جرى مساء الخميس الماضي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان سيجبر الأخير وحكومته وحزبه «الإخواني» على تقبل الواقع الجديد الذي فرضه تعزيز المشاركة العسكرية الروسية المباشرة في المواجهة الفعلية وليس الصورية والإعلامية التي دأبت على ترويجها واشنطن وحلفاؤها ضد التنظيمات الإرهابية في سورية.
وتفيد المعطيات أن الرئيس بوتين كان واضحاً وصريحاً لجهة المساواة بين القوى كافة التي تحمل السلاح ضد الشعب السوري ودولته وأن العمليات العسكرية الروسية السورية المشتركة ليست لديها خطوط حمراء تقف عندها ما دامت هذه العمليات تتم على الأراضي السورية وبطلب من القيادة السورية، ما دفع بأردوغان إلى طلب استقبال وفد أمني عسكري تركي في موسكو والذي من المفترض أن يزورها في الأسابيع القليلة المقبلة، علّه بذلك يضمن تعويض أنقرة خسارتها جراء المتغيرات الميدانية المتوقعة نتيجة ضربات الطيران الحربي الروسي لمواقع أساسية للتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها والتي تؤمن لها حضوراً سياسياً في الملف السوري عدا عن منظومة المصالح الاقتصادية التي توفرها لها هذه التنظيمات من خلال اعتماد الممرات التركية لبيع النفط المسروق أو المصانع المنهوبة من أكثر من محافظة سورية.
وتؤكد المعطيات أن دعوة أردوغان لحضور حفل افتتاح المسجد الكبير في موسكو هدفت إلى إبلاغه نفاد صبر روسيا تجاه الخداع الذي يمارسه التحالف الدولي ضد الإرهاب وثقتها بأن ترك الأمور على هذا المنوال سيؤدي إلى تثبيت داعش وأخواتها على الأرض في سورية والعراق مع احتمال تمدده إلى دول أخرى في المنطقة وفي الجوار الروسي أيضاً، أما الترغيب فقد تمثل بترحيب موسكو فتح الأسواق الروسية للمنتجات التركية كتعويض عن إغلاق أبواب أوروبا بوجهها خصوصاً بعد تحميل أنقرة مسؤولية ابتداع أزمة اللاجئين السوريين الذين انطلقوا من شواطئها بهدف إحراج دول الاتحاد الأوروبي.
غير أن دول ممالك وإمارات الخليج تبدو أكثر تحسساً لرأسها بعد قرار المشاركة الروسي الإستراتيجي، فمن المتوقع أن يزور موسكو في التاسع من الشهر الجاري ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لاستكمال محادثات زيارته الأولى والتمهيد لزيارة والده الملك سلمان بن عبد العزيز أواخر الشهر المقبل، ويلحق به نهاية الشهر الحالي أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني ويزورها أيضاً بين تلك المواعيد نائب رئيس دولة الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم.
أما على ضفة التواصل المصري الروسي الذي لم ينقطع يوماً، فقد نجح مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في تبديد هواجس القاهرة لجهة أهداف المشاركة الروسية وتداعياتها على العملية السياسية لحل الأزمة في سورية عبر التأكيد على جملة معطيات أبرزها:
أولاً: إن هذه العملية تهدف إلى الحفاظ على وحدة سورية وحماية الدولة والشعب فيها ومنع التنظيمات الإرهابية وداعميها من تعطيل أي حوار سياسي سوري سوري ممكن في المرحلة المقبلة.
ثانياً: إن الموقف الروسي واضح وجلي لجهة تقديم أولوية مواجهة الإرهاب وهزمه على أي أمر آخر، وإن البحث في موضوع الرئيس بشار الأسد ليس مطروحاً في خضم هذه المواجهة ولا بعدها لأنه شأن سوري داخلي يقرره السوريون أنفسهم ووحدهم دون أي ابتزاز أو توجيه خارجي.
ثالثاً: إن التنسيق الروسي الأميركي قائم على المستوى السياسي وإن اختلفت المقاربات وقد انتقل بعد لقاء بوتين مع أوباما الأخير إلى المستوى العسكري والأمني ما يضفي عليه بُعداً عملياً يظهر صدق النيات من عدمه في الحرب على الإرهاب، وإن موسكو لديها ثقة بأن مقاربة واشنطن للشأن السوري ستتلاقى مع مقاربة موسكو ما سينعكس على مواقف وتصرفات دول إقليمية معنية كتركيا والسعودية وغيرهما.
إن نجاح روسيا في إلحاق هزيمة بالإرهاب على اختلاف تسمياته وارتباطاته سيثبت جديتها على المستويين الإقليمي والدولي مقابل المراوغة الأميركية التي ثبُت أنها تفتح آفاقاً لهذا الإرهاب وحدوداً أيضاً للسيطرة والتمكن من دول عدة في المنطقة بهدف ابتزاز حكومتها وإخضاعها وتمرير مشروع تقسيمها مذهبياً وعرقياً ودينياً انطلاقاً من العراق كمقدمة لتسويغ إعلان الكيان الإسرائيلي دولة يهودية خالصة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن