قضايا وآراء

المواجهة «أميركياً»

| مازن بلال

المفاجأة في اغتيال قاسم سليماني كانت في القرار الأميركي برفع درجة المواجهة، فتتبع هذا الرجل ليست عملية صعبة خصوصاً أنه لا يخفي تحركاته، ويتنقل بشكل اعتيادي على جبهات القتال التي اندلعت في سورية والعراق منذ ظهور داعش وغيرها من التشكيلات، وبالتالي فإن الرئيس دونالد ترامب يرسم صراعاً جديداً في المنطقة وذلك بغض النظر عن التقييمات تجاه قرار الاغتيال.
تعرف الولايات المتحدة أن إستراتيجية إيران في سورية والعراق لا يمكن تغييرها بعمليات الاغتيال، وتدرك أيضاً أن آليات الصراع في الشرق الأوسط تعتمد في هذه اللحظة على علاقات خاصة ظهرت نتيجة الحرب في سورية بالدرجة الأولى، فرغم أن طهران ودمشق تربط بينهما مستويات عالية من التنسيق، لكن الصراع المندلع منذ عام 2011 فرض مصالح جديدة داخل العاصمتين وجعل المواجهة معهما تستند إلى قواعد جديدة، وينطبق هذا الأمر على العراق أيضاً ولكن بطريقة مختلفة نتيجة الوجود الأميركي فيها، وهذه المصالح دفعت بإسرائيل منذ وقت مبكر لكسر جمود الجبهة مع سورية، فاعتداءاتها المتكررة على مواقع إيرانية في سورية، حسب ادعائها، هي في النهاية رفع لدرجة المواجهة، في وقت كانت الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس باراك أوباما تحدد جبهات أخرى في الشمال والجنوب السوريين، وعلى الحدود السورية العراقية أيضاً.
كل التطورات السابقة عقّدت طبيعة العلاقات في شرقي المتوسط، وخلقت منظومة إقليمية غير مسبوقة لا تحوي توازناً في الأدوار الدولية، ورغم أن الولايات المتحدة لم تتضرر من هذه التطورات لكنها كانت تشهد توسع الدور الإيراني دون القدرة على ضبط إيقاعه، والاحتجاجات في العراق وإيران تحمل في مؤشراتها الإقليمية وليس الداخلية اختلال التوازن في النفوذ الدولي، وفتحت بوابة لمزيد من التحولات التي يمكن أن تؤدي لتطور نظام العلاقات بين طهران وعواصم شرقي المتوسط، فمحاولات حصار القوى الحليفة لإيران عبر الاحتجاجات كشف هشاشة السياسة بشكل عام في بغداد وبيروت.
وسط هذا المشهد جاء اغتيال قاسم سليماني لرفع الإرباك داخل منظومة العلاقات الإقليمية، فهذا الاغتيال الذي لا يطول بظاهره سورية، إلا أنه يفتح مساراً مختلفاً في التعامل السياسي قوامه «الاغتيال» كعامل أساسي في التأثير السياسي القوي، فواشنطن رفعت سقف المواجهة وفي نفس الوقت فتحت جميع احتمالات الصراع؛ من خلال قرار للرئيس الأميركي يريد عبره فرض «شرعية» الاغتيال كأحد الأساليب السياسية المتاحة، وهي بذلك تفرض أمرين:
– الأول طبيعة الصراع المفتوح في المنطقة، فالمسألة ضمن إستراتيجية واشنطن الحالية ليس البحث عن الاستقرار لا مع إيران ولا على جبهات القتال في العراق وسورية، فهي تريد الدخول في عملية إنهاك لجميع القوى بما فيها الحليفة وذلك وفق «الشكل اليمني» الذي استنفد الجميع دون القدرة على الوصول إلى حل سياسي.
فتح الصراع بهذا الشكل يحمل الكثير من المخاطر خصوصاً مع وجود أميركي كثيف في العراق ومحدود في سورية، ولكن وفق وجهة النظر الأميركية فإنه قد يفتح الأفق السياسي المسدود في حال انهيار إحدى القوى.
– الثاني هو أن عدم التوازن في الأدوار داخل شرقي المتوسط سيفضي في النهاية لظهور خاسر دولي، وواشنطن ترى أن موسكو هي المرشحة لتكون هذا الخاسر في حال خرج الصراع عن إطاره الحالي نتيجة رفع درجة الاضطراب.
عملية اغتيال سليماني يصفه البعض بالعمل «الأخرق»، لكنها جزء من تفكير الرئيس ترامب الذي يتعامل مع السياسة بروح المقامر فهو يريد تأجيج التوتر ليراقب تصرفات الأطراف الأخرى ورفع سقف التوقعات لإرباك الخصوم، فاغتيال سليماني ليس مواجهة إيرانية أميركية، بل صراع على طول شرقي المتوسط ونتائجه مرتبطة بقدرة جميع الأطراف على دراسة خياراتها بدقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن