ثقافة وفن

ما أسباب التنمر؟ الإيذاء اللفظي والجسدي قد يصل إلى مرحلة خطيرة لا ندرك نهايتها

| غالية اسعيّد

سلوك سيئ، كلمات جارحة، تعامل مؤلم، أفعال بات يُتعامل بها في أرجاء المجتمع وعليه تراتب مؤذ في النفس والروح وحتى في الجسد، تصرف وللأسف يتم في كل لحظة من لحظات دوران الكرة الأرضية باختلاف البلدان واللهجات والمواطن، سلوك نتعامل به في كل سكنة من سكنات تصرفاتنا سواء كان بقصد أم بلا قصد.
التنمر!!! كلمة قد تكون مرت على مسامع بعضنا والبعض الآخر وللأسف يتعامل بها في نمط حياته مع الآخرين من دون علم بها أصلاً.

ما هي ظاهرة التنمر؟ وكيف نتعامل بها؟ وكيف نتجنبها؟

رافقني عزيزي القارئ بين هذه السطور لنوضح هذه الظاهرة المؤذية.

بدأت ظاهرة التنمر Bullying تنتشر بكثرة في الآونة الأخيرة وأصبحنا نرى التنمر في كل مكان، في الشارع أو المدرسة أو الجامعة أو البيت مكان العمل تخيل!!، ومن هنا عُرف التنمر اللفظي بأنه صفة، لقب أو تمييز عنصري من المتنمر تجاه ضحيته المتنمر عليه قد يظن البعض أن كلمات الاستهزاء لا تؤثر على متلقيها وأنها مجرد كلام وأن الجرح لا يكون إلا بعصا أو حجارة.
لكن أثبتت الدراسات أن الإيذاء اللفظي شيء بالغ الخطورة ويؤثر على التكوين النفسي للضحية، بل يترك آثراً لا يُنسى… على عكس ما يظن البعض أن الذكريات الجيدة قد تنسينا السيئة منها.

وعليه عُرف التنمر أنه شكل من أشكال العنف والإيذاء والإساءة التي تكون موجهة من فرد أو مجموعة من الأفراد إلى فرد أو مجموعة من الأفراد حيث يكون الفرد المهاجم أقوى من الأفراد الباقين.

إذاً كيف يكون التنمر؟ يكون التنمر عن طريق التحرش أو الاعتداء اللفظي أو البدني أو غيرها من الأساليب العنيفة، ويتبع الأشخاص المتنمرون سياسة الترهيب والتخويف والتهديد، إضافة إلى الاستهزاء والتقليل من شأن الشخص.

وفي بحث لـ«آن بولكاري» وفريقها وجدوا أن السلوك العدواني من أحد الآباء لا يُمحى بوساطة السلوك الحنون للآخر، بل أنه قد يزيد وضوح السلوك العدواني أو العنيف، وفي دراسة أخرى لـ«چون جوتمان» فإن خمسة أشياء جيدة مطلوبة لتخفيف أثر شيء واحد سيئ… مجرد تخفيف وليس محواً، شعور مؤلم أليس كذلك؟

كما تؤثر المشاعر والذكريات السلبية على نمو وتكون الدماغ، كالمنطقة الأمامية من القشرة المخية.

كما أن التنمر وما يصاحبه من ألم نفسي قد ثبت تأثيره على الجسد، أي يتسبب في ألم عضوي أيضاُ! ففي تجربة لـ«إيثان كروس» استخدم فيها الرنين المغناطيسي لتصوير المناطق التي ستتأثر من المخ، اتضح أن المنطقة المتأثرة عند رؤيتك لصورة حبك القديم الذي هجرك هي نفسها المنطقة عند تطبيق حرارة معينة على ساعدك، لذلك يجب مراعاة كلامك الذي قد تصنفه على أنه مجرد دعابة والتي قد تترك أثرًا لسنوات.

ففي دراسة أيضاً أجريت على 2000 شخص في عمر الـ60 وُجد أنهم يتذكرون أحداثاً مؤلمة لمشاعرهم ومواقف قد مضى عليها سنوات، ليس فقط الألم البدني هو ما ينتج عن التنمر اللفظي بل أيضاً التمييز بين المشاعر من الأساس.

قد يراودك الآن سؤال مهم ألا وهو ما أسباب التنمر؟

اسمح لي أن أفيدك بالجواب…
قد يعيش الشخص ظروفاً أسرية أو مادية أو اجتماعية معينة أو يتأثر بظروف خارجية أو قد يعاني من مرض عضوي ما أو نقص ما في الشكل الخارجي، أو ربما مجموعة من هذه العوامل كلها، والتي قد تؤدي في النهاية إلى أن يعاني من الأمور التالية والتي ستكون بدورها مسبباً لتحوله إلى شخص متنمر:

• اضطراب الشخصية ونقص تقدير الذات.

• الإدمان على السلوكيات العدوانية.

• الاكتئاب والأمراض النفسية.

والآن ما هي آثار هذا التنمر؟؟؟

ينعكس التنمر بشكل سلبي على الأفراد المتعرضين له، فما هي آثار التنمر؟

• يؤدي التنمر إلى مشاكل نفسية وعاطفية وسلوكية على المدى الطويل كالاكتئاب والشعور بالوحدة والانطوائية والقلق.

• يلجأ الفرد للسلوك العدواني نتيجة للتنمر، فقد يتحول هو نفسه مع الوقت إلى متنمر أو إلى إنسان عنيف.

• يزداد انسحاب الفرد من الأنشطة الاجتماعية الحاصلة في العائلة أو المدرسة، حتى يصبح إنساناً صامتاً ومنعزلاً.

• قد يوصل التنمر الضحية إلى الانتحار، حيث أثبتت الدراسات أن ضحايا الانتحار بسبب التنمر في ازدياد مستمر وخاصة بعد دخول التنمر الإلكتروني إلى الصورة.

• من آثار التنمر قلة النوم أو النوم بكثرة.

• كما يعاني من يتعرض للتنمر إلى الصداع وآلام المعدة وحالات من الخوف والذعر.

وعن علامات التنمر سوف أحدثك عزيزي…
علينا التنبه لمشكلة التنمر وما إذا كان طفلنا أو أحد يهمنا يتعرض للتنمر، وهناك بعض العلامات التي تدل على تعرض للتنمر.

• ابتعاده عن الأصدقاء أو أي تجمعات.

• إهمال الشكل الخارجي والمظهر العام.

• المعاناة من حالة القلق الدائم والخوف.

• المعاناة من حالة مزاجية متقلبة.

• المعاناة من حالة من فقدان أو زيادة الشهية.
وعليه تذكر أنه عندما يؤذيك الناس مراراً وتكراراً، فكر فيهم كأنهم مثل الرمل، قد يخدشك ويؤذيك قليلاً، لكن في النهاية ينتهي بك الأمر مصقولاً وينتهي به الأمر إلى أن يكون عديم الجدوى.

والسؤال الآن هل هناك علاج للتنمر؟ والجواب، دائماً يوجد العلاج طالما النية والإصرار حاضرين.

• تقوية الوازع الديني للأفراد وتقوية العقيدة لديهم منذ الصغر، وزرع الأخلاق الإنسانية في قلوب الأطفال كالتسامح والمساواة والاحترام والمحبة والتواضع والتعاون ومساعدة الضعيف وغيرها.

• الحرص على تربية الأبناء في ظروف صحية بعيداً عن العنف والاستبداد.

• تعزيز عوامل الثقة بالنفس والكبرياء وقوة الشخصية لدى الأطفال خاصة.

• بناء علاقة صداقة مع الأبناء منذ الصغر والتواصل الدائم معهم وترك باب الحوار مفتوحاً دائماً، لكي يشعروا بالراحة للجوء إلى الأهل.

• توفير الألعاب التي من هدفها تحسين القدرات العقلية لدى الأفراد والبعد عن الألعاب العنيفة.

• تدريب الأطفال على رياضات الدفاع عن النفس لتعزيز قوتهم البدنية والنفسية وثقتهم بأنفسهم، مع التأكيد بأن الهدف منها هو الدفاع عن النفس فقط وليس ممارسة القوة والعنف على الآخرين.

• متابعة السلوكيات المختلفة للأبناء في سن مبكرة والوقوف على السلوكيات الخاطئة ومعالجتها.

• مراقبة الأبناء على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والانتباه لأي علامات غير عادية.

• تجنب الفراغ واستثمار الطاقات والقدرات الخاصة للأفراد بالبرامج والأنشطة التي تعود عليهم بالنفع.

• الاستماع إلى المرشدين الاجتماعيين والنفسيين والحرص على اللقاءات معهم فهم وجدوا لمساعدتك.

• عرض الشخص المتنمر أو الضحية على أخصائي نفسي أو اجتماعي.
وفي نهاية ما تحدثنا تقبلها دعوة مني لنشر التعامل الطيب والسلوك اللطيف وزرع الحب والسلام في أي مكان حللنا فيه، لنكون على قدر الرسالة التي خلقنا لأجلها، وتذكر أن العالم مكان خطير، بسبب أولئك الذين ينظرون ويتنمرون على غيرهم، وأن لا أحد يشفي نفسه عن طريق إصابة شخص آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن