ثقافة وفن

حياة غنية لفريد الأطرش … فنان مبدع لا تزال أعماله تعيش بيننا..

| وائل العدس

في الجزء السابع والأربعين من سلسلة «إعلام ومبدعون» الشهرية الموجهة لليافعة، أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب – مديرية منشورات الطفل كتاباً يسلط الضوء على حياة الفنان السوري فريد الأطرش من تأليف د. فائز الداية مؤلف من 57 صفحة من القطع الصغير.
في مقدمته يقول المؤلف: إن فريد الأطرش فنان مبدع أسعد الناس، ولا تزال أعماله الموسيقية والغنائية والسينمائية تعيش بيننا في أحوال متنوعة، في البهجة والسرور، وفي حالات التأمل وشيء من الحزن، ولعل أهم خصائص هذا الفنان أنه يشعرنا بأنه واحد منا، نغني معه ونردد الألحان، لأنها من ثقافتنا ومن أنغام تمتزج بالنغمات الشعبية، وفي الوقت نفسه هي متطورة وجديدة في ترتيب النغمات وفي الحضور الدرامي في السينما.

وجاء في الكتاب: إن الفنان الأطرش ينتمي إلى أسرة عريقة لها دور مهم في تاريخ سورية واستقلالها، وكان لها لقب الإمارة، وقد ولد في مدينة «القريا» قرب مدينة السويداء عام 1915، وكان والده فهد على درجة من العلم والثقافة أهلته ليكون «القائم مقام» وهو الذي يدير الشؤون الإدارية والمالية والأمنية، وقد تنقل بين عدد من المواقع أيام العثمانيين أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
وأمه السيدة علياء المنذر من أسرة مرموقة في جبل لبنان، حصّلت مراحل علمية في معاهد الجامعة الأميركية ببيروت، وكانت لها معرفة موسيقية ومهارة في العزف وأداء الأغاني التراثية والشعبية لبلاد الشام، وتكونت الأسرة من الأبوين وفريد وأخيه الأكبر وأخته الصغرى آمال (أسمهان).

بداياته ونشأته

إن الأحداث التي فاجأت العالم في تلك الفترة غيرت مصير هذا الطفل وأسرته الصغيرة في مهب المجهول، فقد نشبت الحرب العالمية الأولى واضطر الوالد إلى إرسال زوجته إلى بيروت بالباخرة وفيها ولدت آمال عام 1917، وازدادت الاضطرابات عندما استولت جيوش المستعمرين الفرنسيين على سورية 1920 وبدأت المقاومة وسارع فهد الأطرش ليكون في عداد المدافعين ضد الاحتلال في السويداء حيث كان سلطان باشا الأطرش على رأس المقاومين، على حين ظلت الأم وأولادها في بيروت تنتظر فرصة للحاق بزوجها، لكن الفرنسيين أرادوا احتجازها مع أولادها بسبب المقاومة 1942 لكنها استطاعت أن تصل بهم عبر فلسطين إلى مصر ولقيت تسهيلاً وترحيباً.
هنا بدأت حياة جديدة لهذه الأسرة، فالكل كان يعاني ولم تكن الاتصالات متاحة، وكان على السيدة علياء أن تتدبر شؤونها فاشتغلت في الحياكة واستفادت من خبراتها الموسيقية، ولم تكن تملك رسوم التعليم فوصلت إلى منحة مجانية في مدرسة خاصة فرنسية ليدرس فيها فريد باسم مستعار، ثم حرم منها وطرد لما عرفوا أنه من آل الأطرش الذين يقاومون فرنسا في سورية، فانتقل إلى مدرسة أخرى.
عرف فريد أن عليه الاهتمام بالدراسة ومساعدة أمه فكان يعمل في مخزن كبير ويوزع الإعلانات عن بضائعه على المنازل وهو يركب الدراجة، وفي الوقت نفسه وبعد أن اكتشف موهبته انتسب إلى معهد الموسيقا العربي في القاهرة، ووجد فرصاً للعمل في بعض الفرق الفنية.

كانت تضحية فريد كبيرة خلال سنوات نشأته وشبابه، فلم يستطع إكمال دراسته واضطر لتركها في المرحلة الثانوية، كذلك لم ينجز كل سنوات المعهد بسبب توزيع وقته والإرهاق الشديد مع ازدياد العمل.
عرض عليه أن يشارك في العزف في فرقة المطرب إبراهيم حمودة في بعض مسارح المنوعات، وفتحت الفنانة بديعة مصابني المجال أمامه في كازينو يقدم الغناء والمشاهد التمثيلية، وارتقى حتى وصل إلى تقديم أغانيه أمام الجمهور.

الانطلاقة القوية

بدأ الانطلاق الواسع في مهارته في العزف على العود، وجاءت الفرصة عندما سمع أداءه مدير القسم الموسيقي في الإذاعة المصرية مدحت عاصم 1934 وكلفه العزف أسبوعياً، ثم أتاح له الغناء.
وجاءت ذروة إعلامية سجلت انتقاله إلى المرتبة الأولى بجوار محمد عبد الوهاب وأم كلثوم.
تطورت السينما وغدت ناطقة، فجاءت فرصة مهمة عام 1941 وهي أن يقدم فريد وأخته أسمهان فيلماً بعنوان «انتصار الشباب» وقد تضمنت الأحداث مسرحية غنائية أداها معها ومجموعة من الممثلين المتميزين.
مع إنجاز هذا العمل بدأ فريد الطريق السينمائي عبر أفلام استمرت حتى آخر حياته وبلغ عددها 31 فيلماً، وقد أنشأ شركة للإنتاج.

ووفقاً للكاتب فإن فريد الأطرش أصيب بعارض صحي خطير عام 1955 ظل يعاوده في السنوات التالية، إلا أنه كان يصر على متابعة العمل وتقديم إنتاجه الفني.

ومع الظروف المتبدلة التي واجهها في حياته، كان يتردد على بيروت في المواسم الصيفية ويقيم في أجوائها، لكن تغير الأجواء الاقتصادية والإدارية حول الإنتاج السينمائي والفني في مصر أواخر الستينيات من القرن الماضي، جعله يقيم ويكاد يستقر في بيروت وينجز أعمالاً ومشاريع فنية، وقد شهدت هذه المدينة وفاته عام 1974.

تكريمات وكلمات

لقي الفنان فريد الأطرش التقدير والتكريم، ونال أوسمة في مصر ولبنان وتونس والمغرب، وكرم في سورية مرات، وأقيم حفل كبير في دار الأوبرا بدمشق عام 2011 بمناسبة مرور 35 عاماً على وفاته، كما أقيم حفل في دار الأوبرا بالقاهرة 2016، وأزيح الستار عن تمثال له مع عوده.

وسنة 1965 منحته فرنسا وسام الخلود الفني الذي لم يطلق من قبل إلا على بتهوفن وشوبان.
وقد تمت تسمية منظمة اليونسكو سنة 2015 باسم مئوية فريد الأطرش مع اسمي الفنانة الفرنسية إديث بياف والفنان الأميركي فرانك سيناترا، وجاء في تعليل هذا التقدير أن فريد الأطرش استطاع إيصال الموسيقا الشرقية إلى رحاب العالمية وترك تراثاً موسيقياً ضخماً، ستستفيد منه الأجيال الحالية والقادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن