ثقافة وفن

أبو الطيب المتنبي.. الطريق إلى المجد … عش عزيزاً أو مُت وأنت كريم… بين طعن القنا وخفق البنود

وائل العدس :

في العدد الحادي والثلاثين من «سلسلة أعلام لليافعة» الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يروي محمود محمد يوسف سيرة حياة الشاعر المتنبي (915– 965م) في كتاب حمل عنوان «أبو الطيب المتنبي.. الطريق إلى المجد» مؤلف من ثمانية عشر فصلاً.

أول ما قال
عرف المتنبي بحدة الذكاء والاجتهاد والسعي الدؤوب لتحقيق كل ما يطمح إليه، وظهرت موهبته الشعرية باكراً إذ نظم الشعر صبياً وهو في التاسعة من عمره ومن أول ما قاله في الصبا:
أبلى الهوى أسفاً يوم النّوى بدني
وفرّق الهجر بين الجفن والوسن
روح تردّد في مثل الخلال إذا
أطارت الريح عنه الثوب لم يبن
كفى بجسمي نحولاً أنني رجل
لولا مخاطبتي إياك لم ترني

شاعر المديح
يقول الكاتب إن المتنبي تميز في المدح والفخر، وما يميز شعره القوة والروعة والابتكار والنزوع إلى غاية لم يصل إليها الشعراء من قبل، وهو قادر على التصرف في المعنى القديم حتى يغدو جديداً مبتكراً.
وإذا مدح الشعراء الآخرون الملوك والأمراء والقادة بالشجاعة والإقدام وكثرة الغزوات، فإن المتبني إضافة إلى ذلك يصعد إلى أفق أعلى فيبتكر المعاني، فهو يجعل قتل الأعداء نهباً لأعمارهم حين يقول في سيف الدولة:
نهبت من الأعمار ما لو حويته
لهنّت الدنيا بأنك خالد
فقد دفعه خياله الشعري إلى فرض أن أعمار الأعداء هذه اتصل بعضها ببعض فكونت عمراً طويلاً غير محدود وُهب لسيف الدولة فوصل به إلى درجة الخلود (إشارة منه إلى كثرة قتلى الأعداء) بل إن الدنيا بمن فيها وما فيها تهنأ بهذا الخلود.

شاعر الفخر
يقول الكاتب إن المتنبي الطموح إلى المجد والسلطة كان يعاني من تضخم الذات، ومستوى الأنا مرتفع جداً عنده، وهذا التضخم عامل من عوامل طموحه وسبب من أسباب نقمته على المجتمع.
منذ أن كان صبياً لا يترك فرصة إلا ويستغلها للفخر بنفسه، فيرى أنه الفارس الشجاع الذي لا مكان له إلا فوق الحصان، أما لباسه فدرع منسوجة من الحديد:
مفرشي صهوة الحصان ولكن
قميصي مسرودة من حديد
ويرى أن همته العالية تريه كل شيء يطلبه حقيراً، وكل غاية بعيدة قريبة:
تحقر همتي كل مطلب
ويقصر في عيني المدى المتطاول
والمتنبي في فخره يعبر دائماً عن استهزائه بالموت، لذلك فهو يدفع نفسه إلى حياضه دون اعتبار للنجاة منه، أما حياض الخوف فهي من نصيب الإبل والأنعام:
ردي حياض الرّدى يا نفس واتركي
حياض خوف الرّدى للشّاء والنعم
ثم يقول لها إن لم أخض المعارك وتسيل دمائي على رؤوس الأسنة فلا دعيت أخا المجد والكرم:
إن لم أدرك على الأرماح سائلة
فلا دعيت ابن أم المجد والكرم
وأبو الطيب العارف قدره، يحق له أن يتباهى بشعره، فهو الواثق من موهبته، ويمنّ على ممدوحه بأنه يقول فيه شعراً لم يقله شاعر من قبل، فيقول:
وعندي لك الشُّرَّد السّائرات
لا يختصصن من الأرض دارا
قواف إذا سرن عن مقولي
وثبن الجبال وخُضن البحارا
ولي فيك ما لم يقل قائلٌ
وما لم يسر قمرٌ حيث سارا

العقل والحكمة
كان المتنبي ينطق بالحكمة منذ صباه، وربما يرجع ذلك إلى تكوينه وعبقريته وتجاربه المبكرة في الحياة، إضافة إلى دراسته في دمشق على يد نخبة من علمائها، وشغفه بالقراءة والثقافة.
إنه يخاطب الإنسان بقوله: إما أن تعيش عزيزاً ممتنعاً من الأعداء وأما تموت في الحرب موت الكرام، لأن القتل في الحرب يدل على شجاعة الرجل وكرم خلقه وهو خير من العيش في الذل:
عش عزيزاً أو مُت وأنت كريم
بين طعن القنا وخفق البنود
فرؤوس الرماح أذهب للغيظ
وأشفى لغلّ صدر الحقود

شاعر الغزل
المتنبي شاعر عربي مطبوع، فمن البدهي أن يتناول في شعره أغراض الشعر العربي كلها، والغزل من أبرز هذه الأغراض.
إنه يرى نفسه شهيد الحب، بل يرى كل قتيل هوى شهيداً، وكيف لا يكون شهيداً وهو يرى بياض الأعناق وورد الخدود:
كم قتيلٍ كما قُتلت شهيد
بياض الطلى وورد الخدود
وعيون المها ولا كعيونٍ
فتكت بالمتيّم المعمود

شاعر الوصف
برع المتنبي في فن الوصف، بدءاً من وصف المعارك إلى وصف الطبيعة وعناصرها، فوصف طموحه ووصف أخلاق الناس ونوازعهم النفسية وغير ذلك.
إن وصف الجيوش والمعارك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصية المتنبي، فقد كان يحمل بين جنبيه نفساً نزّاعة إلى القتال تدفعها الآمال الكبار، وكانت وقائع سيف الدولة مع الروم حافزه لهذه النفس، مؤججة لتلك الجذوة، فوصف جيش الدولة بالقول:
وذي لجب لا ذو الجناح أمامه
بناجٍ ولا الوحش المثار بسالم
تمر عليه الشمس وهي ضعيفة
تطالعه بين ريش القشاعم
إذا ضوؤها لاقى من الطير فرجة
تدوّر فوق البيض مثل الدراهم
ويخفى عليك الرعد والبرق فوقه
من اللمع في حافاته والهماهم

المتنبي والرثاء
توفيت أخت سيف الدولة الصغرى فرثاها المتنبي، وإذا بها لم تمت، بل هي خطبة تمّت مع الموت، ولكنها خطبة ليس لها رد:
خطبةُ للحمام ليس لها ردٌ
وإن كانت المسمّاة ثكلا
وإذا لم تجد من الناس كفئاً
ذات خدرٍ أرادت الموت بعلا

سلسلة الأعلام لليافعة
تتألف «سلسلة الإعلام لليافعة» من ثلاثة وثلاثين عدداً، وشملت كلاً من: محمود درويش، الأمير السعيد (محمد عبد الكريم)، اسحق الموصلي، الملك الظاهر بيبرس، رحلة ابن جبير، عمر الخيام، عباس ابن فرناس، ألبرت أنيشتاين، موتسارت، أبو حيان التوحيدي، ليلى الأخيلية، مي زيادة، المسعودي، السيد والسيدة كوري، لوركا، كريستوفر كولومبوس، ابن طفيل الأندلسي، بدوي الجبل، ابن حزم القرطبي، أبو فراس الحمداني، يوسف العظمة، داوود قسطنطين الخوري، إبراهيم هنانو، صالح العلي، سلمى الحفار، أعلام في ريادة الفضاء، الجاحظ، عز الدين القسام، تشايكوفسكي، ابن سينا، أبو الطيب المتنبي، أحمد بن ماجد ملاح، وأخيراً الرازي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن