قضايا وآراء

المحاور المختلفة والنفوذ الأميركي

| تحسين الحلبي

لا أحد يشك بأن إسرائيل كانت أول من اعترف بدولة «جنوب السودان» الانفصالية بعد أن قدمت لمجموعاتها المسلحة كل أشكال الدعم الاستخباراتي والعسكري لشن حرب على جيش السودان المركزي وفصل جنوب السودان عن الوطن الأم، بل إن رئيس هذه الدويلة سارع بعد اعتراف إسرائيل والولايات المتحدة بها إلى زيارة إسرائيل والإعلان عن اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل واستعداده لإنشاء أول سفارة لجنوب السودان في القدس.
موقع دولة جنوب السودان الرسمي الإلكتروني، ذكر بداية الشهر الجاري، أن وزير خارجية دولة جنوب السودان بدأ بزيارة إلى أنقرة بدعوة من أردوغان للتوقيع على اتفاقات ثنائية متعددة على المستويين الإقليمي والدولي، ومع تعزيز العلاقات بين الدولتين يبدو أن أردوغان يسعى إلى التوسع في منطقة حوض النيل بعد أن توسع في الصومال، لكن علاقاته مع دولة جنوب السودان سوف تستغلها إسرائيل التي تعد نفسها الراعية للسياسة الخارجية لدولة جنوب السودان.
يعتقد الإسرائيليون أن وجود نفوذ تركي في جنوب السودان بعد أن تعزز النفوذ العسكري التركي في طرابلس سيؤثر على الدور المصري في السودان بعد إقالة نظام البشير، لأن أردوغان سيوظف أموال قطر في تدعيم علاقاته في جنوب السودان وسيستغل دوره العسكري الجديد مع حكومة طرابلس ومع دولة جنوب السودان والصومال، ناهيك عن علاقاته مع إثيوبيا التي تعتبر قيادتها منذ عام 2002 أن تركيا من بين دول الشراكة الإستراتيجية مع أديس أبابا، ولا أحد يستبعد أن يخطط أردوغان لاستثمار علاقاته هذه لمحاصرة مصر بشكل خاص بعد أن أسقط الشعب المصري حكومة الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي في عام 2013، فما زال أردوغان يتولى رعاية عدد كبير من قادة الإخوان المسلمين المصريين والليبيين والسودانيين، وسوف يصبح كل توسع للنفوذ التركي في منطقة حوض النيل وجنوب السودان أداة تركية لتعزيز سيطرة الإسلاميين الذين يدعمهم أردوغان في مناطق كثيرة في ليبيا وغيرها.
يرى محلل إسرائيلي أن دولة جنوب السودان لا بد أن تكون قد استشارت الحكومة الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالعلاقات مع أردوغان وحصلت منها على الموافقة، وهذا يعني أن هناك احتمالاً بنشوء محور يضم كلاً من تركيا وربما قطر وجنوب السودان وطرابلس وإثيوبيا، لا تجد فيه إسرائيل تناقضاً مع مصالحها وبخاصة أن ثلاث دول من هذا المحور تقيم علاقات دبلوماسية معها باستثناء طرابلس ورئيسها فائز السراج.
يبدو أن محاور مختلفة بدأت تظهر، أحدها تم الإعلان عنه أمس لدول البحر الأحمر وخليج عدن وترعاه السعودية ويضم مصر واليمن والأردن والسودان والصومال وإريتريا وجيبوتي، لكن أكثر المحاور وضوحاً وثباتاً في السياسة الخارجية الواضحة هو محور المقاومة الذي لا أحد يشك الآن بأن بغداد ستنضم إليه بعد العدوان الغادر الأميركي الصهيوني على العراق وإيران، وهو محور ذو مظلة دولية من قوتين كبريين هما روسيا والصين، وهو المحور المتناقض مع محور تركيا وجنوب السودان في أكثر من منطقة، وبخاصة في موضوع الغزو التركي للأراضي السورية والتدخل التركي في ليبيا.
من الملاحظ أن الولايات المتحدة تواجه الآن خيارات صعبة في موضوع المجابهة مع إيران والعراق، وفي ظل وضع كهذا بدأت تتدهور قدرة تأثيرها على المنطقة، وأصبحت مجبرة على أحد خيارين إما سحب كافة قواتها من العراق وشمال شرق سورية، وإما مجابهة حرب لا تضمن تحقيق أهدافها فيها لأنها ستخوضها وحدها كقوة دولية ومن دون مشاركة أوروبية وهو ما تخشاه إدارة ترامب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن