قضايا وآراء

ردّ طهران ومستوى الردع

| تحسين الحلبي

أخيراً خرج رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو من وكره وبدد خوفه ووقف مع السفير الأميركي في إسرائيل أمس في الساعة 12 ظهراً ليعلن الاثنان عن متابعة قرار وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو بموافقة إدارة ترامب على ضم عدد من المستوطنات في الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.
لكن نتنياهو سارع إلى استغلال هذه الفرصة أمام الصحافة، وقال: «نعم وقفنا إلى جانب واشنطن في عملياتها ضد إيران واستهداف اللواء قاسم سليماني، وواشنطن تعرف أن أفضل أصدقائها في المنطقة هي إسرائيل التي لا تجد صديقاً أفضل من الولايات الممتدة».
وانتقل فوراً إلى القول: «والآن من يحاول توجيه ضربة لإسرائيل فسوف يتلقى ضربة أقوى كثيراً»، والحقيقة أن نتنياهو طلب منذ الأحد الماضي من وزرائه عدم إطلاق أي تصريحات تتعلق بما قامت به القوات الأميركية في بغداد في فجر الجمعة الماضي، وأعلن في ذلك اليوم أن «ما وقع ضد إيران في مطار بغداد هو شأن أميركي ولا صلة لإسرائيل به ولا داع لجر إسرائيل إليه».
كانت القيادة الإسرائيلية تعيش في حالة خوف من استهدافها في أي تطور لمجابهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وطهران.
بدأ المحللون بعد توجيه إيران صواريخها بشكل مباشر على أهداف عسكرية أميركية في قاعدتين في العراق فجر أمس، بتحليل لمرحلة ما بعد الرد الإيراني المباشر على اغتيال سليماني ورفاقه من قادة الحشد الشعبي وفي الجيش الإيراني، فثمة من يرى أن ترامب سيطلب من وزارة الدفاع التقاط أنفاسها وتجاوز أي خسائر بشرية في القاعدتين اللتين سقط فيهما أكثر من عشرين صاروخاً، اعترفت واشنطن أنها لم تستطع إسقاط سوى 4 منها وسقطت البقية على القاعدتين بحسب مصادر وزارة الدفاع، ويرى المعقبون الإسرائيليون أن سقوط 85 بالمئة من هذه الصواريخ على قواعد أميركية يعد بحد ذاته تعبيراً عن قدرة ردع متزايدة للجيش الإيراني وتهديد علني لإسرائيل، لأن الإيرانيين أعلنوا أن أي رد أميركي مقبل سيجعل إيران توجه ضرباتها لإسرائيل أيضاً.
هذه الحقيقة هي التي دفعت ناطقاً باسم الخارجية الأميركية يطلب أمس من «إيران ألا تكرر هذه الهجمات الخطيرة والمتهورة والانتقال إلى مرحلة إيقاف التصعيد»، وكان ترامب قد أقر بسقوط هذه الصواريخ الإيرانية وأعلن أنه سيدرس موضوع الخسائر التي تسببت بها.
يبدو أن امتحاناً للردع المتبادل وما يحيط به من رعب أميركي وإسرائيلي بعد هذه الجولة الأولى للرد الإيراني بانتظار «رد الفعل» أو «التعليق» الأميركي على مستوى الرئيس ترامب، قد أصبح أحد قواعد الاشتباك المباشر الإيراني الأميركي.
هنا من يرى أن امتناع واشنطن عن الرد، سيعني أن ترامب قرر الانتقال إلى مرحلة يلتقط فيها أنفاسه ويتشاور مع مستشاريه لاختيار الخطاب السياسي الذي يتناسب مع حسابات قدرة الردع الإيرانية، بل وقدرة إيران على الاستمرار في الإعلان عن استعدادها لمواجهة كل الخيارات.
فالقرار بالرد بهذا العدد من الصواريخ وعلى نفس قاعدتي العدوان الأميركي وسقوط 85 بالمئة من هذه الصواريخ على القاعدتين، يتيح لإيران استمرار المنازلة المباشرة أمام أكبر قوة عسكرية إستراتيجية في العالم، ولذلك يصبح هذا الرد الجريء الذي يجسد مصداقية الوعد الإيراني بالرد، مقدمة قوة في أي مواجهة أو مواجهات مقبلة بين دولة إقليمية مثل إيران وقوة كبرى مثل الولايات المتحدة، فالمعركة لا تزال مفتوحة وبكل الأبعاد وأشكال المجابهة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن