قضايا وآراء

سيناريوهات التصعيد

| مازن بلال

تظهر مناطق شرق سورية الجغرافية مؤهلة لعمليات التصعيد المقبلة، فالرد الإيراني جاء على مساحة من غرب العراق، وفي المنطقة التي يمكن اعتبارها الشريان الواصل باتجاه سورية، على حين يتم التصعيد أيضاً في المنطقة الحدودية عند البوكمال السورية، فالصراع الإيراني الأميركي يتركز في نقاط العبور إلى سورية، ورغم أن هذا الأمر ليس جديداً لكنه يأخذ مجالاً مختلفاً، فهو يكشف من خلال العمليات العسكرية أن الصراع القائم أصبح مباشراً، وربما يطول طبيعة العلاقة القائمة داخل شرقي المتوسط عموماً.
ضمن هذا الإطار فإن اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ينقل استياء أميركياً ليتجاوز العداء لإيران، فهذه الشخصية كانت المحرك الأساس لعلاقة إيران بالمنطقة، كما أنه يمثل الجانب العملي من هذه العلاقة وعلى الأخص في مرحلة الحرب ضد داعش وفي المعارك مع المجموعات الإرهابية الأخرى في سورية، فواشنطن حاولت من خلال عملية الاغتيال إظهار أمرين:
– الأول: إبراز قدرتها على التأثير في تلك العلاقة، فالحالة المكشوفة التي يتنقل بها سليماني بين الجبهات أصبحت بالنسبة إليها أمراً غير مقبول، وعملية تأسيس علاقة إيرانية مباشرة مع الحالة العسكرية القائمة؛ غدت هدفاً أميركياً في هذه المرحلة.
بالتأكيد ستبقى السياسة الإيرانية ضمن السياق القائم قبل اغتيال سليماني، لكنها لن تستطيع التعامل بالمرونة نفسها لأنها أصبحت مستهدفة بشكل غير مسبوق، وكل الضجيج الإعلامي حول الحد من الرد الأميركي على الصواريخ الإيرانية التي استهدفت قاعدة عين الأسد؛ هو صراع داخل الأجنحة السياسية الأميركية ولا يدخل ضمن إستراتيجية البنتاغون في التأثير المباشر على علاقة إيران بالمنطقة.
– الثاني: إظهار نقاط الاشتباك الأميركي مع إيران بشكل كامل، فرغم أن قرار الاغتيال كما يوحي به الإعلام كان ضمن دائرة أميركية ضيقة، لكنه ليس بالضرورة بعيداً عن تفكير بقية الأجهزة الأميركية.
المهم بالنسبة لواشنطن في اغتيال سليماني هو وضعه على مساحة واحدة من أبي بكر البغدادي وأسامة بن لادن، فطريقة الاغتيال على المستوى السياسي هي نفسها داخل المنطق الأميركي، وهي تريد رسم صورة واحدة لأعدائها ضمن دائرة الإرهاب، والرد الإيراني طال عملياً الرئيس الأميركي دونالد ترامب لكنه أبقى مسافة من السياسة الأميركية، فهو حاول تحييد التصعيد مع الولايات المتحدة وحصره ضمن نطاق الرد المشروع على العدوان وفق القانون الدولي.
الصراع الأميركي الإيراني لم يتوقف فهو يتخذ شكلاً من «حرب الظلال» التي يمكن رؤيتها في العمليات العسكرية المجهولة المصدر التي حدث آخرها على الحدود السورية العراقية، وهذا الشكل مؤهل للتصعيد والاستمرار ولا تحده جغرافية واضحة لأنه حالة متنقلة تخلط الجبهات العسكرية من جديد، وتجعل من الصعب الاستفادة من أي انتصار عسكري سياسياً، وهذا الأمر يقلق موسكو التي تعتبر أن وجودها في سورية هو لتعزيز الاستقرار.
السؤال المطروح على صعيد تشابك القوى فوق سورية هو كيف ستتصرف روسيا جراء عمليات التصعيد المرتقبة؟
عملياً فإن زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى سورية هي جزء من الاحتواء، فهي حدثت قبل ساعات من الرد الإيراني لكنها جاءت أيضاً في ذروة التصعيد، وتحدثت جميع التصريحات الروسية عن دعم الاستقرار؛ ما يعني بشكل أو بآخر محاولات روسية لتحييد سورية عن عملية التصعيد، وهذا الأمر غير ممكن على الصعيد العملي، إلا أنه قابل للتطوير عبر هامش سياسي فقط يمكن لروسيا التعامل معه عبر تنشيط العملية السياسية، فأي نجاح سياسي سيزيد من فرص روسيا في ضبط الأمور على الأرض والتقليل من احتمالات التصعيد العسكري على الأرض السورية.
المرحلة القادمة لم تتضح على المستوى السياسي، لكنها في المقابل تطرح مسألة الخيارات الدولية لرسم استقرار الشرق الأوسط وهي خيارات لا تزال متناقضة ومعظمها يرى التصعيد جزءاً من مسار الحل، فالولايات المتحدة ترسم سيناريوهات خطرة ومزعجة لجميع الأطراف، وتراها بوابة لتشكيل العلاقات الشرق أوسطية المضطربة بانتظار توازن جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن