اقتصاد

جهود حثيثة لتعديل مرسوم فتح أسواق التأمين أمام القطاع الخاص.. أيُعاد تفصيله على قياس البعض أم يطّور ليخدم الوطن؟!

علي نزار الآغا :

يبدو أن هناك محاولات جادة وكثيفة من بعض المعنيين في قطاع التأمين لتعديل المرسوم التشريعي رقم 43 وتعليماته التنفيذية الذي فتح أسواق التأمين في سورية أمام القطاع الخاص، ومن خلال بعض المقترحات المقدمة من بعض الجهات، يجد بعض المختصين أنها قد تكون محاولات لتفصيل المرسوم على قياس البعض في القطاع الخاص.
«الوطن» حصلت على بعض الوثائق المرتبطة بشكل مباشر في هذه المحاولات التي لم تقتصر على ما حصلنا عليه من وثائق، فالمحاولات جادة ومكثفة من البعض.
تفيد الوثائق التي بين أيدينا بدخول هيئة المنافسة ومنع الاحتكار على الخط، بعد أن وجهت كتاباً للمرة الأولى في تاريخها إلى هيئة الإشراف على التأمين، يتضمن بعض المقترحات التي يمكنها تخفيف القيود المتعلقة بالدخول أو الخروج من سوق التأمين، إضافة إلى تطوير بيئة العمل، وذلك بعد دراسة المرسوم التشريعي رقم 43 لعام 2005 وتعليماته التنفيذية.
وقد يبدو أن بعض مقترحات الهيئة منطقي، وبعضها يثير التساؤلات، وكانت هيئة الإشراف على التأمين، التي ردت على هذه المقترحات في يومين من تاريخ وصولها، قد بيّنت لهيئة المنافسة، أنها ستأخذ بعض النقاط المقترحة بالحسبان وخاصةً أنها قامت بتشكيل لجنة موسعة لدراسة واقتراح إصدار قانون شامل للتأمين، تضم هذه اللجنة مختصين وخبراء قانون وتأمين، وهي بصدد البدء بأعمالها خلال الفترة المقبلة. وتضمن الرد: «وحيث جاءت مقترحاتكم بالتزامن مع بدء أعمال هذه اللجنة فإننا سنأخذ معظمها بالاعتبار ضمن نص القانون المقترح، وبشكل خاص ما ورد في النقطة الأولى والثانية والخامسة والسادسة».
هذا وتركزت هذه النقاط على قضايا إدارية روتينية، تتعلق بالوقت اللازم لحصول شركة التأمين على الترخيص والعوائق المتعلقة بدخل السوق ووديعة الضمان المطلوبة بالإضافة إلى بعض العوائق المتعلقة بخروج شركة التأمين من السوق واقتراح إصدار قانون خاص للتأمين إحداث محاكم تأمينية.
أما المقترحات الأخرى التي أثارت العديد من إشارات الاستفهام، فتتعلق بتعديل بأمور فنية من اختصاص هيئة لإشراف على التأمين، ومرتبطة بالاحتياطيات المطلوب تكوينها لدى الشركات لمقابلة التزاماتها تجاه حملة وثائق التأمين والمستفيدين منها، إضافة إلى اقتراح عدم اعتبار توقف شركة التأمين عن أعمالها أو إذا زادت خسائرها عن 40 بالمئة بمنزلة مخالفة تستوجب المساءلة، ومقترحات أخرى مرتبطة بالقطع الأجنبي.
وهنا كان رد هيئة الإشراف على التأمين واضحاً، ففيما يتعلق بمقترح إعادة النظر بالاحتياطي الإضافي لحوادث وقعت ولم يبلغ عنها، بيّنت الهيئة في ردها «إن ما ورد في المرسوم 43 بضرورة حجز احتياطي إضافي لحوادث لم يبلغ عنها وورود كلمة (إضافي) في تسميته لا يقلل من أهمية كاحتياطي أساسي، حيث إن هذا التوصيف جاء بسبب طريقة حسابه الفنية فهو ترميم لخطأ احتساب احتياطي تحت التسوية، ولم نسمع حتى تاريخه أي اعتراض من معيدي التأمين على احتسابه، بل إن هذا الاحتياطي معمول به في معظم بلدان العالم».
وأضافت: «وهنا نوضح أن المثال المذكور في كتابكم -مقترحات هيئة المنافسة المذكور- والمأخوذ عن شركة تأمين لا يتسم بالدقة الفنية والحسابية اللازمة، حيث تم إغفال (وبشكل يبدو متعمداً) الاحتياطيات المفرج عنها في السنوات السابقة، كما لم يذكر حصة المعيد من المطالبات المدفوعة، وغيرها من البنود التي تأتي في الجانب المدين من حساب المعيد. وقد جاء هذا المثال بطريقة خاطئة تهدف فقط لخدمة فكرة إلغاء احتياطيي حوادث لم يبلغ عنها».
وعن اقتراح عدم اعتبار توقف الشركة عن أعمالها أو إذا زادت خسائرها عن 40% بمنزلة مخالفات تستوجب المساءلة، ردت هيئة الإشراف على التأمين بأن «الهيئة تهدف من جملة أعمالها حماية شركات التأمين وحماية حملة الوثائق واعتبار الحالتين المذكورتين من ضمن المخالفات يأتي لخدمة هذا الهدف حيث إن توقف الشركة عن أعمالها يتسبب بالضرر لحملة الوثائق (المواطنين)، وكذلك للمساهمين في الشركة عدا احتمالات كثيرة لأهداف غير معلنة وإرادية لا تقع ضمن إطار الظروف القاهرة».
وتضيف: «أما زيادة الخسائر عن 40% فيستوجب تدخل الهيئة لحماية أموال المساهمين وتصحيح مسار العمل في الشركة، أما عدم تدخل الهيئة في هذه الحالة فيجعل من مهمتها الإشرافية غير ذات جدوى، وأنتم تدركون أهمية حماية شركات التأمين من التعثر المالي أو الإفلاس لما فيه مصلحة لقطاع التأمين والاقتصاد الوطني بشكل عام، وإلا ما أصدرت الهيئة قرارات كثيرة تتعلق بهامش الملاءة المطلوب أو حوكمة الشركات أو إدارة المخاطر فيها، وبكل الأحوال، فإن المساءلة في الحالتين أعلاه لا تعني إيقاع عقوبة على الشركة بل يمكن المضي أولاً في معالجة الخلل الحاصل».
وفيما يتعلق بالقطع الأجنبي، اقترحت هيئة المنافسة إمكانية السماح لشركات التأمين شراء القطع الأجنبي من المصارف وفقاً لنشرة أسعار الصرف الصادرة عن المصرف المركزي بشكل يؤمن احتياجات الشركات من القطع الأجنبي لممارسة أعمالها. بالإضافة إلى إمكانية إيجاد حلول تتعلق بصعوبة تحويل العملة الأجنبية من الخارج إلى شركات التأمين.
وهنا ردت هيئة الإشراف على التأمين على هيئة المنافسة بما يلي: «لقد ذكرتم في كتابكم بأنه كان يتم سابقاً السماح بإصدار وثائق بالدولار، ولكن الحقيقة أن هذا السماح ما زال قائماً حتى تاريخه، كما أن تحويل مستحقات بالقطع الأجنبي من الخارج ما زال قائماً أيضاً وهو ما ورد بطريقة خاطئة ومعاكسة في كتابكم. وبكافة الأحوال، فإن الهيئة ومن منطلق معرفتها بصعوبات القطع الأجنبي في شركات التأمين، بادرت بإرسال مذكرة شاملة إلى مصرف سورية المركزي تتضمن كافة الصعوبات والمقترحات الممكنة لمعالجة هذه المسألة ونحن ننتظر رد المصرف المركزي على ذلك في غضون الأيام القليلة القادمة. وأخيراً، فإننا نقترح عقد اجتماعات بين هيئتكم الموقرة وهيئة الإشراف على التأمين فيما يخص أي أعمال تتعلق بالتأمين بهدف الوصول إلى أفضل صيغة فنية دقيقة لأي تعديلات تقترحونها في ذلك».
طبعاً، بعد وصول رد الإشراف على التأمين لهيئة المنافسة طوي الموضوع في أوائل شهر آب الماضي، نظراً لما يبدو أن رد التأمين كان حاسماً. لكن القصة لم تنته هنا، إذ برزت تحركات أخرى، لإثارة موضوع التعديل، وأخذ رأي شركات التأمين في الموضوع.
نحن لسنا ضد أي تعديل يسهل عمل أي قطاع ويبسط الإجراءات ويخفف من البيروقراطية والروتين القاتلين في الكثير من مفاصل بيئة الأعمال لدينا، بل واجب علينا أن ندعمه، وهذا ما سنقوم به، ولكن ما يجب التوقف عنده بالكثير من الدقة والحذر هو الإفراط بالتبسيط لدرجة تسهيل الفساد وإغفاله وزيادة قنواته وأساليبه، هنا يكون موقفنا مغايراً، لذا من باب الحرص على سير الموضوع في السياق الصحيح بعيداً عن الشخصنة والمصالح الضيقة سلطنا الضوء على ما يجري في أروقة التأمين بعد خمس سنوات من الحرب.. والغاية في النهاية الوصول إلى تعديلات ترتقي بالقوانين لمستوى الأزمة فتخدم الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن