من دفتر الوطن

أهلاً بكم في مملكة الفيسبوك!

| عصام داري

نحن جيل المخضرمين، عشنا زمن أفلام الأبيض والأسود، ومسجلات البكر والكاسيت، وقبل ذلك الأسطوانات، ولا أقصد أسطوانات الغاز التي أصبحت عملة صعبة، كما عشنا زمن مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص «الفيسبوك» الذي أصبح جهاز إعلام واسعاً جداً لا رقيب عليه ولا حسيب، إلا ما ندر.
هذا «الفيس» يشبه مملكة الفوضى، أو مجموعة غير متجانسة من وسائل الإعلام المتعددة الاهتمامات والتوجهات، حيث تتابع من خلال هذا (الاختراع) الأخبار السياسية والأدبية والفنية والاقتصادية وغير ذلك، لكننا لسنا مسؤولين عن مصداقية تلك الأخبار.
ولأن الفيسبوك مفتوح (على الغارب) كما يقولون، فبإمكان أي كان أن يدخل إلى بيتك، أي إلى صفحتك، ويتحدث معك كأنه واحد من أهلك وأصدقائك المقربين، بل يضع لك حلولاً لمشاكلك ويصف لك الدواء إذا اشتكيت من ألم أو مرض.
لكن المصيبة أن هناك من يحلو له التلاعب بمشاعر الناس، كأن يفبرك كذبة عن وفاة هذا الفنان أو الفنانة، فقط للحصول على إعجاب أو لايك! فهل صارت حياة الناس لعبة لهذا المخلوق البشع أو ذاك؟
ماذا يكسب هذا المهووس من إعلان وفاة فنان أو مسؤول أو اعتقال رجل أعمال أو صاحب شركة، وغير ذلك؟ وهل فكّر ولو للحظة واحدة بمدى الأذى والإساءة التي سببها هذا الخبر الكاذب للمقصود بالكذبة ولجماهير الفنان أو الفنانة.
والمصيبة لا تتوقف هنا، فهناك من ينسخون الخبر وينشرونه على صفحاتهم وكأنه خبر حقيقي، طبعا بنية طيبة لأنهم ظنوا أنه خبر صادق.
بإمكانك إذا ما تجاوزت هذا الجانب السيئ أن تتمتع بطرائف ونكت مصورة على مدار الساعة، وأن تتابع مباريات رياضية، لكنك ستكتشف – فيما ستكتشف– أن نسبة تزيد على التسعين بالمئة من شعبنا شعراء وفلاسفة وأدباء، بل منهم أطباء ومحامون ومنجمون، وكذب المنجمون ولو صدقوا.
و«الفيسبوك» يشبه الجدران التي تعلق عليها إعلانات النعوة، ولكن هذه المرة نعوة حقيقية، وبذلك توفر على الناس الذهاب إلى العزاء و«التمساية والعصرية» لأنك تستطيع تقديم واجب العزاء بأحر وأجمل وأروع العبارات وأنت تجلس خلف طاولتك تحتسي القهوة والشاي وبيدك سندويشة زيت وزعتر، وهكذا توفر على نفسك مشقة الذهاب إلى صالات العزاء، أو بيوت المتوفين.
الشيء نفسه ينطبق على الأفراح وأعياد الميلاد، فأنت وفي هذه الأزمة غير ملزم بالذهاب إلى أعياد الميلاد ومعك هدية لا تستطيع توفير ثمنها إلا على حساب مصروف عشرة أيام في الشهر، ستكتفي بالبحث عن صور الحلوى «أي ما يعرف بـالتورتة» وتكتب عليها أرق العبارات وأكثرها رومانسية، وكفى اللـه الناس شر القتال، يعني أنت «ناقصك» تدفع هدايا للمحتفلين، وهذه الهدايا لم تدخل بيتك في يوم من الأيام!!
لا أضيف جديداً عندما أتحدث عن مملكة الفيسبوك، فجميعنا انخرطنا في هذه المملكة، وأحياناً بشغف إلى درجة صارت عادة مكتسبة لا يمكن الاستغناء عنها ليلاً ونهاراً، وبشكل خاص أن الفيس قرّب البعيد، فأنا أتخاطب مع صديقي وقريبي من دمشق وهو في كندا، ومع أخي وهو في إسبانيا، وهكذا.
باختصار للفيس فوائد، لكن أضراره كبيرة وهو بمنزلة مطبّ للكثير من حسني النيات والطيبين الذين يسهل خداعهم والتغرير بهم، أجارنا اللـه من التغرير والمغررين!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن