من دفتر الوطن

الحياة خارج الصندوق

| عبد الفتاح العوض

الحكيم…

يقول الحكيم أو الجزء الحكيم منك: حياتي مجرد صندوق مغلق تعلمت فيه كيف يسير المرء بخطوط مستقيمة.. مجرد روتين اعتيادي فيه الكثير من الملل وكل ذلك لأني أفضل السلامة والسكينة وأخشى ألسنة الناس.
الجزء الحكيم منك يقول: أخشى المغامرة والتجاسر على المجتمع والخروج عن النص.
عندما أنظر إلى أولئك المغامرين الذين فعلوا أشياء تثير الإعجاب أتمنى لو كنت واحداً منهم.
طالما أثار إعجابي الأشخاص الذين لا يشبهونني نسميهم المغامرين أو المجانين أو أي اسم آخر لا يقترب من الحكمة والتعقل.
شيء ما يغريني بالجنون، ثمة شعرة بينه وبين العبقرية.. يكاد يقول الجزء الحكيم منك، الجنون تاج على رؤوس العباقرة لا يراه إلا الحكماء.
المغامرون هم جزء من التمرد على النمطية التي يحياها كثير من الناس، هم أولئك الذين يصنعون الفارق.. هم أولئك الذين بدؤوا كتابة أسطورتهم عندما كتب الآخرون سطرهم الأخير.
الجزء الحكيم منك يحظى بالاحترام والقبول ويضفي على حياتك وقاراً خاصاً وهدوءاً مميزاً وهيبة خاصة.
هذا الجزء يغريك بالجلوس خلف النافذة في اليوم الماطر، فيقول: كم هذا الطقس ساحر! لكنه لا يجرؤ على المشي تحت المطر.. على حين الجزء الذي يستهويك هذا الذي يناديك أن تعال لترقص مع العواصف.
كثير من الأحيان جزؤك الحكيم يشعر بالسأم والتعقل في داخلك، وجزؤك الآخر يريد أن يبصق على كل ما هو رتيب وممل وعاقل!!

النصف المجنون

الجزء الآخر منك يقول أنا يا سيدي لا أعيش حياة… بل معركة.
الحكماء لا يعرفون أن الجنون هو حزن كفّ عن التطور.
خلقت كما لو كنت أبحث عن شيء ما في مكان ما لا يصل إليه الناس. دوماً أغرّد خارج السرب. أشعر أني منبوذ لأني أكاد أحطم كل شيء يفكر به كل من حولي. حتى الذين أحبهم ويحبونني لا أجد معهم السلام.. وكيف أجد معهم السلام، ولا أجده حتى معك أنت شريكي في نفسي.
كل الأفكار التي اعتاد عليها من حولي – ومنك يا نصفي العاقل- لا تعجبني، وانظر إليها كما لو كانت أصناماً يجب تحطيمها.
بودي في كثير من الأحيان أن أعيش هذه الحياة الملأى بالرضا والسكينة والسلام الداخلي والسلام مع الآخرين ومعك.
حلمي لو كان بالإمكان أن أتحول إلى شخص يعيش يومياته كما لو كانت مسلسلاً معاداً نعرف تفاصيله فلا نصاب بالدهشة من أي شيء.

هذه الحياة المجنونة التي أعيشها ليست ممتعة ولا مريحة.. وجلّ ما يبحث عنه الناس في حياتهم هو تلك اللحظة التي يطمئنون بها على أنفسهم. فيما أعيش «على قلق كأن الريح تحتي»!!
الجزء الآخر منك يصرخ فيك دوماً أن أنقذني منك.. أفتقد بشدة هذا التواصل الطبيعي مع الناس أكاد لا أضحك لنكاتهم وأكاد أشعر أنني أتحدث بلغة غير لغتهم فلا أفهم عليهم ولا يفهمون علي.
أنا يا سيدي غريب في هذا العالم.. غريب عمّن هم حولي وغريب حتى عنك يا جزءاً من نفسي، فمعظم ما أفكر فيه يكاد يبقى حبيساً داخلي.. أحلامي وأفكاري في مكان.. وأنت يا جزئي الحكيم في مكان آخر.
السعادة التي أنشدها لا تلتقي أبداً مع نمط حياتي الصاخب.. أراها تجلس وترافق أولئك الذين يعيشون بهدوء وبانسجام مع أنفسهم ومع الآخرين.

– من أنت؟
يمكنك أن تواجه نفسك وتسألها أي الجزأين منك أكثر قوة… هل عشت الحياة التي أردتها أم تلك التي أرادها المجتمع، أو تلك التي أرادها القدر… أو ربما عشت ولم تحيَ؟
في القرآن الحياة طيبة، أما العيش فيكون ضنكاً!

-تطبيق عملي: الجزء الحكيم قال اكتب عن أداء الحكومة وسعر الصرف وبطاقة الأذكياء، الجزء المجنون قال لا أمل!!

أقوال:

– نحتاج بعض الجنون في حياتنا العاقلة.

– أولئك الذين يعيشون خارج المصحات العقلية استطاعوا أن يخفوا جنونهم بشكل أفضل.

– حين يسود الصمت فهناك قلب كسر بطريقة ما.

– قمة الضعف أن تلبس حذاء يؤلمك لأنه يعجب الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن