شغل العمل على إصلاح عقدة طرقية في ريف طرطوس، الناس مؤخراً.
العقدة التي كانت مشروعاً في الأدراج، من ضمن تصور «إستراتيجي» لتحويل منطقة بصيرة إلى وجهة سياحية، ما تطلب تحسين مداخلها وتوزيعها بين مداخل «حضارية» بقدرة استيعابية كبيرة، ومداخل زراعية لتخديم السهل الزراعي الخصب.
انتهى العمل بالعقدة الطرقية، متزامناً مع الانفراج الأمني العام، ولكن من دون إمكانية القول إن تلك المنطقة باتت سياحية، أو إنها حافظت على هويتها الزراعية، إذ تأرجحت بينهما، مكونة هويتها المشوهة الخاصة.
فمشروع المنطقة التنظـيمي (سبق أن تناولته)، كان بشكل أساسي مأدبة فساد طويلة الأمد لعدد كبير من المسؤولين والتجار والسماسرة، وانتهت بأن دمرت بيئتها، ودثرت ماضيها، وربما ضيعت مستقبلها أيضا، مع مستقبل كثيرين لم يستطيعوا التأقلم مع التحول الذي جرى، أو فشلوا في استثماره، باستثناءات محدودة لقلة حافظت على توازن نفسي ومادي متواصل.
عدا ذلك، المنطقة لم تشهد مشاريع حيوية، فهي من دون صرف صحي، والمخالفات فيها تعالج بالطرق التقليدية التي نعرفها، وزادت الحرب من مساوئها، فتحولت إلى مخيم مفتوح للنازحين والمهجرين واختلطت فيها اللهجات والنداءات لبائعي البسطات، وتكومت فيه القمامة، فراوح في مكانه غير المتجانس ديمغرافياً وتنظيمياً.
ومن ثم جاء مشروع العقدة الطرقية الذي تفاءل فيه سكان القرى المجاورة والسهل، بعد أن كان تنظيم الحركة يقع على عاتق الحواجز العسكرية المنتشرة، وانتهى المشروع إلى ربط الجسر القديم القائم بين القرى الجبلية والسهل بعدة مداخل تقود لوجهات مختلفة بينها الطريق الدولي.
أحد تلك المداخل العامة الجديدة والمزفتة «على الطريقة التقليدية أيضاً» تضمن عمود كهرباء في منتصفه، من دون مبالغة، في وسطه تماماً ومن دون دلائل أو علامات تحذير، يمكنك ليلاً أن تقسم به سيارتك لنصفين متعادلين إن قدت بالسرعة المناسبة.
ضج السكان بـ«الفضيحة»، وشتموا، وبعد أخذ وعطاء ثمة قيل وقال إن عمود الكهرباء سينقل، بسبب تعذر نقل الطريق والقرى المجاورة والسهل لمناطق أخرى.
المؤلم أن ثمة من يقول إن هذه من نتائج الحرب، لا.
في داخل المدينة ذاتها جسر يربط منطقتين حيويتين أقيم في نهاية العقد الماضي، بزاوية حادة في منتصفه مقدارها حوالي 35 درجة، ما يجعل نصف السيارة الأمامي معلقا بالفراغ، حين اجتيازه، أما الدراجات فمصيرها الطيران، وبالطبع مات كثيرون بسببها.
وقد جرت خلال العقدين الأخيرين محاولات لإصلاحه، بتسميك أطراف الزاوية، حيث يصبح الانتقال من حالة الصعود لحالة الهبوط أقل خطورة، لكن من دون أن يكون طبيعياً أو سلساً.
الإشارة للجسر ومن ثم للعقدة، ليس هدفه انتقاد الأحوال الطرقية، ولا مؤسسات الكهرباء، ولا لجان التخطيط الإقليمية التي نعرف جميعاً طرق عملها «التقليدية»، ولا اجتماعات الحكومة الأسبوعية.
الغرض من كل هذا، التذكير أن التعامي عن زاوية الجسر الحادة لا يتسبب بتسويتها، والالتفاف القسري حول عمود كهرباء في منتصف طريق عام لا يجعل الطريق إلى أي مكان آمناً.
لقد قرأت كثيراً عن تجارب التضخم خلال الأسبوعين الأخيرين، لدى عدد من دول العالم، والحلول المتوافرة.
وكانت كلها تجمع على القول، إن ضرب الفساد من قمته أولاً هو أحد الحلول، وإن التعامي رسمياً عن التدهور السريع للعملة، لا يجعلها تنهض من جديد، ولا يغير في واقع منتظري الفرج شيئاً.