ثقافة وفن

الغطرسة ونقيضها

| د. اسكندر لوقا

يتعذر على المرء، مهما أوتي من القدرة على ضبط النفس أن يحصي عدد المتغطرسين حوله لأن الغطرسة، بشكل أو بآخر، هي شكل من الأمراض المستعصية الدفينة في نفوس أصحابها، تعلن عن نفسها حتى إذا لم تكن مرئية لأنها تظهر في سلوك المبتلي بها. ومن هنا قلما يحظى المتغطرس بالاحترام والثقة. ومن هنا أيضاً، يبدو كالغريب بين عارفيه وأحياناً شبه معزول أو منبوذ.
على النقيض من ذلك يرتقي الإنسان المتواضع إلى مرتبة الحكماء ويغدو شأنه في ذلك شأن المرتفعات التي لا تفقد شيئاً من أحجامها مهما غدت صغيرة في عين الناظر إليها من أسفل لأنها تبقى في علوها تتصدى الرياح وغضب الطبيعة، ومن ثم تقارب بهذا المعنى الكبرياء في شخصية الإنسان المتواضع وخلوه مما يبعده عن الآخرين، وبين ما تبعده عنهم الغطرسة.
في سياق هذه المعادلة، كثيراً ما يضيّع الإنسان فرصة ربما كانت نافعة في حينها وقد يندم على ضياعها، ولكن بعد فوات الوقت هذا إذا ما استرد وعيه وقدرته على التعايش مع من هم حوله في داخل أسرته أو في محيطه الاجتماعي خارج أسرته. وللأسف لم يتمكن الطب، حتى الآن، من إيجاد الأدوية المفيدة في مجال معالجة مرض الغطرسة، ولا أعتقد أن الطب، مهما بلغ شأنه، سيكون قادراً في يوم ما في المستقبل على شفاء هذا المرض لأنه عصي على العلاج.
ومن هنا، يرى علماء النفس والاجتماع، أن العلاج الذي ربما كان نافعاً في هذا المجال، هو التركيز على التربية في شقيها المنزلي والمدرسي ومنذ السنوات الأولى من عمر الإنسان لأن «العلم في الصغر، كما يقول المثل، كالنقش على الحجر» ولما في ذلك من نفع يعود عليه قبل أن يكون نافعاً لمن يتحكم به، طبع كهذا وأعني به طبع الغطرسة باعتبارها مرضاً، إذا استحكم بأحد جعله خارج ربعه غريباً عنه ومنبوذاً لا محالة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن