ثقافة وفن

الفن الإسلامي وسؤال «من نحن»؟

د. علي القيّم : 

منذ أكثر من عشرين عاماً، صدر في باريس كتاب مهم للعالم الفرنسي «أوليغ غرابار» يحمل عنوان «تأملات في الفن الإسلامي» وهو عبارة عن محاضرات قدّمها المؤلف في معهد العالم العربي، وقد قامت أكثر من دار نشر عربية بترجمة الكتاب ونشره.
لقد وضع «غرابار» عدة مؤلفات في الفن، أهمها «قصر الحمراء» عام 1978م، و«نقوش الفن الإسلامي» عام 1987م، و«الجامع الكبير في أصفهان» عام 1990م، و«تاريخ مدينة القدس بين عامي 600 و1100م»، ولكن لكتاب «تأملات الفن الإسلامي» وقعه الخاص في مسيرة هذا العالم العاشق للحضارة الإسلامية، لذلك أعود إليه لأنه يجيب عن سؤال يتعلّق بالهوية.. هل نحن سوريون أم عرب أم مسلمون؟… مغربيون أم شمال أفريقيين… هذه الأسئلة ما زالت تطرح بقوة في كثير من المؤتمرات والندوات التي تقام هنا وهناك، وبكل أسف، ازدادت هذه الطروحات بسبب انعكاسات أزمة «الربيع العربي» وانتشار آراء مغرضة لا تحمل المحبة، ويحرص أصحابها على نشر الاختلاف والبغضاء والفرقة حتى في عناصر فنوننا وآدابنا وحضارتنا وقيمنا الإبداعية.
هناك من قام بخلط الفنون الإسلامية من دون أن يفرّق بين المراحل التاريخية التي مرّت بها، في القرن العاشر الميلادي حتى القرن السادس عشر، لأنَّ هذا الوضع يعطي انطباعاً بأنه يمكن فهم الأشياء بسهولة، وأنه لا توجد حاجة لدرس التفاصيل، وظهرت بعض الكتب التي تدرس المراحل التي مرّت على الأمة الإسلامية مثل المرحلة المملوكية، والهندسة المعمارية الأيوبية، وعهد المماليك في سورية ومصر، وهذا الاتجاه برز خصوصاً مع الأتراك جزئياً، بسبب القومية التركية، في دراسة الفن العثماني وتقسيمه إلى مراحل مختلفة، وهذا ما جعل الدخول إلى الفن في العالم الإسلامي صعباً، وبعيداً عن الرؤى والآمال المشتركة.
لقد وجد في السنوات الماضية، من لا يريد الحديث عن وحدة الفنون الإسلامية لا في الزمان ولا في المكان، فهناك الفن في بلاد الشام، والفن في إيران، والفن في العالم الأندونيسي، وفي باكستان، والفن في المغرب العربي وفي مصر وبلاد السودان، والفن في العراق، والفن في الجزيرة العربية، وذهبت هذه الدراسات إلى القول بعدم وجود روابط مشتركة بين هذه الفنون.
صحيح أن هناك إنجازات تمت في هذه الفنون في العصر الإسلامي، ولكن ذلك تم بفعل ورعاية الأشخاص والأمراء الذين شيدوا هذه المباني والمعالم والفنون والمدارس والأسواق والجوامع والمدن والأمصار، وفق رغبة هذا الأمير أو الشخص الذي تمت هذه الإنجازات في عهده مثل القصور الأموية والمعالم الأيوبية والمملوكية والعثمانية.. وهناك من يحاول عن عمد وإصرار أن الإسلام لم يترك أثره في هذه الفنون.
«أوليغ غرابار» يرد على هؤلاء بالقول: إن الصفات التي أعطاها الإسلام للفن لا حدود لها.. لقد ركز الإسلام في الفنون على الفسحات والحياة ببعديها الفلسفي والاجتماعي.. كان الفنان المسلم يلجأ إلى الزخرفة لأنها تبهج، ولأنها جميلة الرؤية، والحرفي المسلم كان يملك كل الكفاءات وجميع التقنيات التي يمكنها أن تجعل الحياة لطيفة ومستحبة.. وهناك فرق كبير بين من ينظر إلى ما هو مكتوب على أنه خط، وهذا خطأ، الخط المنسوخ شيء محدد، فهو طريقة خاصة جداً من أجل إزاحة الأهمية عمّا هو مكتوب، وتصبح الطريقة في الكتابة أهم مما هو مكتوب، عندما تصبح الكتابة فناً، وهي أهم ما يميّز العالم الإسلامي عن العوالم الأخرى، ولكن السؤال الذي يلح على الباحث: هل الكتابة هي العلامة الوحيدة؟ والجواب: أهميتها لا تعني استثناء وجود غيرها… في الزخارف النباتية والهندسية، حيث إنَّ العالم الإسلامي طوّر هذا العلم بطريقة مبتكرة وفريدة.. لقد وضعت دراسات مهمة حول الأشكال الهندسية في الفنون الإسلامية، ولكن لم يتم تفسيرها، ما عدا بعض التفسيرات الصوفية التي تشير إلى فكرة التوحيد، بطريقة تبسيطية، ويعتقد أنه توجد صفات بصرية أخرى، في الفن الإسلامي لم تتوصل بعد إلى فك رموزها، وهذه مهمة جيل الشباب من الباحثين والدارسين لهذه الفنون العميقة البعد والرؤية والطموح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن