الأولى

ليبيا.. الغاز وتلاقي الأضداد

| بيروت- محمد عبيد

فجأة استفاقت بعض الدول الإقليمية وأيضاً الغربية وخصوصاً منها الأوروبية إضافة إلى روسيا على أن هناك حرباً طاحنة تدور في ليبيا، وبالتالي حان الوقت للتدخل وجمع أطرافها على طاولة حوار واحدة، أو على الأقل دفع هذه الأطراف للتحاور عبر وسطاء الدول المذكورة بهدف وقف تلك الحرب.
هي مفارقة تحمل الكثير من التساؤلات حول العوامل التي فرضت تقديم الأزمة الليبية على ما عداها من الأزمات الأخرى التي تعصف بعالمنا العربي نتيجة التدخلات الخارجية وفي مقدمها الحالة السورية. ويبرز في مقدمة هذه التساؤلات الحرب الباردة التي يخوضها الندان العالميان الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول الاستحواذ على احتياطي الغاز على ساحل شرقي المتوسط الممتد من مصر إلى تركيا، والأهم السيطرة على طرق إمداداته بين دول المنطقة ومنها إلى الدول الأوروبية بشكل خاص.
أما لماذا تركيا؟! فلأنها العقدة التي ظهرت مؤخراً على خريطة توزيع النفوذ الدولي والإقليمي على هذا الساحل المتوسطي وحواشيه، بعدما كانت واشنطن قد نجحت في أمرين، الأول: تكوين تجمع أو ما يسمى «كونسورتيوم» للدول التي تملك جزءاً كبيراً من احتياطي الغاز هذا وهي مصر و«الكيان الإسرائيلي» والأردن وقبرص (اليونانية) واليونان وإيطاليا. والثاني: إنشاء حلف أمني-عسكري لحماية هذا التجمع وطرق إمداداته بقيادة الولايات المتحدة نفسها ومصر و«الكيان الإسرائيلي» وقبرص (اليونانية).
إلا أنه لم يكن في حسبان واشنطن أن يثير النظام التركي مسألة حق قبرص (التركية) في جزءٍ من المنطقة الاقتصادية الخالصة والمشتركة بين جزئي الجزيرة القبرصية المقسومة، وكذلك استعجال النظام المذكور توقيع مذكرتي تفاهم مع ما يسمى حكومة الوفاق الليبية (المعترف بها دولياً) والتي يرأسها فايز السراج حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في أواخر شهر تشرين الثاني من العام المنصرم.
هاتان المذكرتان اللتان تحولتا إلى اتفاقية مُصدقٌ عليها من المرجعيات الدستورية في كل من تركيا وليبيا ولدى الدوائر الأممية المعنية، أدتا إلى خلط الأوراق وإثارة معظم دول «الكونسورتيوم» المذكور، بمعنى آخر حركت المذكرتان-الاتفاقية المياه الراكدة على شواطئ شرقي المتوسط ودفعت الأطراف الدولية والإقليمية كافة إلى التحرك باتجاه ليبيا من بوابة السعي لوضعها على مسار الحل السياسي والتعافي من آثار النظام البائد والحروب والانقسامات التي فرضها ما يسمى «الربيع العربي».
في المقابل تسعى روسيا إلى تشكيل تحالف مواجه من الدول الحليفة والصديقة وفي مقدمها الجاران اللدودان سورية وتركيا إضافة إلى إيران التي أظهرت اكتشافاتها الأخيرة كميات هائلة من احتياطي الغاز في حقل «بارس» وحقول أخرى مماثلة. وهو أمر يحتاج أولاً إلى تسوية سياسية في سورية تُخرج جيش الاحتلال التركي من أراضيها بما يمهد الطريق لتفاهم اقتصادي من خلال الصديق الروسي المشترك.
هذا إلى جانب الاندفاع الروسي التركي المشترك للعب دور استباقي في ليبيا عبر محاولة دفع أطراف الصراع فيها إلى توقيع مذكرة تفاهم في موسكو منتصف الشهر الجاري لوقف إطلاق النار بينهم والانتقال إلى الحوار السياسي تمهيدا لتكريس الاتفاقية التركية الليبية كمدخل لضم ليبيا إلى التحالف «الروسي»، وهو أمر لم يُكتب له النجاح نظراً لارتباطات بعض هذه الأطراف مع دول إقليمية وبالأخص عربية وغربية أخرى.
على هامش هذه الصورة الإقليمية والدولية المشوشة انطلاقاً من الجبهة الليبية حول الإمساك بمفتاح احتياطي الغاز وطرق تصديره، يقف لبنان متفرجاً نتيجة تعطل مؤسساته الدستورية وعجزها عن القيام بواجباتها لحماية ثرواته من الغاز والعمل على استخراجها وتسييلها مالياً لاستنهاض اقتصاده، كذلك حائراً نتيجة خوفه من مخالفة الإرادة الأميركية الساعية لابتزازه من بوابة وساطتها لحل أزمة الاستخراج من شواطئه المحاذية للحدود البحرية مع الكيان الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين.
لاشك أن الخريطة الاقتصادية السياسية التي يتم رسمها انطلاقاً من الساحة الليبية سيكون لها تداعيات على الساحات العربية والإقليمية وحتى الأوروبية المُطلة على حوض البحر المتوسط، انطلاقاً من أنها الساحة الوحيدة التي جمعت الأضداد كافة لتقاسم النفوذ والمصالح والثروات في منطقتنا وعلى ضفافها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن