ثقافة وفن

المشكلة بالمسرح الذي لا يطعمنا خبزاً … كفاح الخوص لـ «الوطن»: مسرحيات «الماغوط» تجارب بسيطة إلى حد العمق… لأنه لمس جرح وطنيتنا السّورية

| سوسن صيداوي

التفرّد والتميّز نعمة أم نقمة. أن تقبل بكينونتك المختلفة لأنك تسعى لتطوير الذات. بل أن تكون صاحب رأي وتوجّه نقدك وتصيب الخطأ وتسعى لضرورة لفت النظر لتصحيحه. هل هذه الأمور تستحق الملامة؟.

الحديث عن الممثل والمخرج والكاتب كفاح الخوص، الذي يلف حول نفسه فقاعته الخاصة، الضاجة بأفكاره ومشاعره وآرائه. هذه الفقاعة اقتربنا منها وجلسنا داخلها في حوار«الوطـن» معه، لنقف عند كثير من المواضيع والإشكاليات التي تطول المسرح والدراما التلفزيونية وحتى تجربته التدريسية في المعهد العالي للفنون المسرحية.

وقبل الحوار بقي أن نذكر لكم بعضاً من مشاركات الخوص النوعية والتي تحقق له الإضافة في مسيرته الفنية ومنها تلفزيونيا: «سنعود بعد قليل، الزير سالم، الندم، حلاوة الروح، القعقاع بن عمرو التميمي، عن الخوف والعزلة، عطر الشام، ربيع قرطبة، وشاء الهوى، صقر قريش، هولاكو». ومن أعماله المسرحية: «طميمة، ستاتيكو، الرهان، العميان، شوكولا، تيامو، الأيام المخمورة، طقوس الإشارات والتحولات، ومؤتمر هاملت، يوميات ملك حزين». في التأليف نذكر: «حكاية علاء الدين، دونكيشوت، حكاية بلاد ما فيها موت، يوميات ملك حزين، في بار بشارع الحمرا ». وفي الإخراج المسرحي: «حكاية بلاد ما فيها موت».

بداية لنتحدث عن المسلسل الذي ستقوم بإخراجه؟

ما يمكنني البوح عنه حول المسلسل بأننا اليوم بصدد التحضيرات، والعمل من إنتاج مجموعة «الأصايل الدولية» ، وهو من تأليفي وإخراجي.

في الدراما التلفزيونية أنت ممثل انتقائي ويهمك جداً الشخصية التي تؤديها لكونك تدرسها ويجب أن تقنعك أولاً…

ألهذا السبب أنت مبتعد عنها وملتزم بالمسرح؟

هذا حقيقي لأنّ «مكنة» التلفزيون تقولب الممثل وتأخذه إلى مكان محدد، وبالفعل أنا انتقائي باختيار شخصياتي حتى لا أقع بنمطية الأدوار، لهذا أدقق بالدور من أجل أن أعمل تنوعاً في مسيرتي الفنية، والتي لا أسعى لأن يكون في جعبتها حصيلة كبيرة من الأدوار، بمعنى لا يهمني الكم أمام النوع، وأضيف بأنني لست مبتعداً عن الدراما التلفزيونية بل أجدهم هم المكثرون بتقديم الأعمال. بالمقابل أنا أحب المسرح كثيراً ولكن المشكلة بآلية عمله التي لا تطعمنا خبزاً، وأسعى لأقدم عملاً مسرحياً كل عامين تقريباً بمشاركة أصدقائي، كي نقدم مشروعاً حقيقياً، ولا نسعى خلاله للحصول على المادة، بل نسعى للإمتاع الروحي.

على ذكر الإكثار من الأعمال التلفزيونية… في مرة صرّحت بأن مرض الدراما السورية يعود إلى دخولها أشخاص غير ممتهنين ومتردو الأداء، والغاية في استقطابهم لكونهم ذوي أجور متدنية… اليوم وفي ظل الأزمة كيف أصبح الحال؟

أريد أن أوضح أمراً أنا لست ضد أي أحد يحب أن يعمل أو يجرّب، ولكنّ هناك الاختصاص الذي يأتي كنتيجة طبيعية للتجربة من حيث التحليل والفرز، والمشكلة التي أنا أقصدها ونقع فيها دائماً، هي الانسياق نحو المحسوبيات، حيث نرى وجوهاً تظهر وتتصدر وهي في الحقيقة غير مؤهلة، في حين أصحاب الاختصاص والموهوبين عاطلون من العمل، وحركة البلد في ثماني السنوات الماضية أدت إلى ظهور وانتشار أشخاص أشبّههم بالبثور. أما بالنسبة لشركات الإنتاج فأصحابها مجموعة من التجار، وليس في رسالتهم أي مشروع ثقافي أو فني، بل القصة كلها تبييض أموال، وللأسف هم يعملون المسلسل ويطلقون عليه الـ«طبخة» مما يجرده رسالته الفنية والإنسانية التي يجب أن يقدمها للجمهور السوري. كما وأحب أن أضيف هنا وبخصوص المخرجين، الذين يجب أن يكونوا على قدر من الثقافة الفنية والمقدرة على إدارة الممثل ولديهم الخبرة بالحياة ككل، هذا على عكس ما نراه اليوم، لعدم وجود روح التجدد بالفكر واللقطة لدى بعض الدخلاء، حتى إنهم -ممن يدعون أنفسهم مخرجين -يقطّعون كي ينتهوا من عمليات التصوير بأبكر وقت ممكن، بعيداً عن الاحترافية والدقة المطلوبة في تصوير المشاهد. بقي أن أكرر وأؤكد بأن هذا الذي انتقل من اختصاصه الأصلي ليعمل بمكان آخر، ليس لأنه مميز بل لأن أجره أقل، وهذا الأمر على عكس الجمهورية المصرية من حيث وجود خصخصة فنية.

في هذه الفترة -وليس للمرة الأولى- يشهد المسرح جمالية عودة نجوم الدراما التلفزيونية إلى الخشبة، ما رأيك بهذه الحركة وبماذا تفيد الممثل التلفزيوني على صعيد التجربة من حيث ملاقاته لجمهوره ولمس التجاوب أو عدمه مباشرة؟

الفكرة الأساسية بأنه لما قلّ الجمهور ظهر ما يسمى المسرح الجوال، بمعنى المسرح يذهب إلى الناس، واليوم يهمنا كثيراً أن يأتي الجمهور إلينا وبأكبر عدد ممكن، والذي وبرأيي هو المقياس لتقدّم المسرح وتطوره ونجاحه، وبالتالي عندما يقرر المخرج أن يعمل معه مجموعة من نجوم التلفزيون اللامعين كي يقدموا عملاً مسرحياً هذا أمر جميل، فهؤلاء النجوم هم في الأساس قد درسوا المسرح وليسوا غريبين عن هذا الفضاء، وبرأيي هذا الأسلوب فاعل لتنشيط الحركة المسرحية على جميع الصعد وعلى الخصوص في التأثير على الجمهور، لأنه وللأمانة أمر في غاية الإحباط أن يصعد الممثلون على الخشبة ولا يجدون في صالة المسرح إلا نحو عشرة أشخاص، فهذا الأمر يشكل عبئاً على الممثل والمخرج فالجهود المبذولة خلال ثلاثة أشهر تتكلل بوجود الجمهور. وأخيراً وبالنسبة لي أكون في غاية السعادة عندما أسير بالشارع والناس تصافحني لأنها تتعرف علي من خلال أعمالي المسرحية وليس التلفزيونية.

مرة أخبرني القدير دريد لحام أنكم اجتمعتم بخصوص المسرح وتم طرح العديد من المواضيع… وفي وقتها أنا سألته عن إعادة عرض مسرحياته مع الماغوط.. ما رأيك بالفكرة؟

في الحقيقة هذه التجربة: إن تم تنفيذها فسنشعر بأن الربيع سيُزهر وأن هناك تجدداً سيطول الحركة المسرحية، ولكن المشكلة الأساسية بأن هذه الفكرة لاقت اجتماعاً واحداً وتم دفنها للأسف، ربما لأنها تكلّف الكثير من المبالغ، وأحب أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، هذه المسرحيات هي جزء من ذاكرتنا وجزء من تكويننا كأشخاص سوريين، ومن الضرورة أن يتابعها شبابنا السوري وخصوصاً الذي عايش الأزمة، فالمبادئ الوطنية التي تكلم عنها الماغوط في مسرحياته مع القدير اللحام، هي مبادئ خالدة، وبالفعل كما قلتي هي أعمال تتكلم عن كل الأزمنة، وهناك جُمل تمرّ بالحوار فنشعر بأننا نعيشها في أزمتنا الحالية على الرغم من أن العرض قديم جداً، وكأن الماغوط ما زال معنا ويعيش هذه التفاصيل الحالية، وبطبيعة الحال تلك المسرحيات هي تجارب بسيطة إلى حد العمق وهي قريبة من كل سوري، والتعاون بين العملاقين اللحام والماغوط أثمر بأنه استقطب كل الشرائح ولمس الجرح الذي تعيشه وطنيتنا السورية.

اليوم وفي ظل المعمعة الدرامية التلفزيونية ومع الزحام الالكتروني المفروض والذي أبعد شاشة التلفزيون عنا… أمام كل هذه التحديات هل سيصمد المسرح؟

لا أظن أنه سيصمد، وأنا أراه في هذا الوقت بأنه يلفظ الروح، فالريح عاتية، وما يحبط أكثر هو اطلاعنا على التجارب الخارجية أثناء المهرجانات، الأمر الذي يحزّ بالنفس وتدمع له العين، فهم سبقونا وما زالت مسارحهم تنبض نشاطاً وحيوية، بعكسنا رغم أننا نبذل الجهد نفسه ونتحدى كل الظروف الصعبة.

على ذكر الظروف الصعبة… البنى التحتية لمسرح القباني والحمراء سيئة، والأحوال الطقسية والأزمة تؤثر عليهما، وبالرغم من ذلك عشاق المسرح لم يتخلوا عنه…. ما تعقيبك؟

في آخر عرض قدمناه على خشبة مسرح القباني وهو «طميمة» للمخرج عروة العربي. على الرغم من كل النجاح والتمديدات للعرض لم نلق اهتماماً من وزارة الثقافة، ولم نشهد حضور القائمين فيها. وخصوصاً بأن النجاح قطفناه رغم كل التحديات التي يعيشها إنتاج الأعمال المسرحية، نعم نحن موعودون ومنذ زمان طويل بتحسين الأوضاع، ولكن هذه الوعود كما هي أحلام «الدون كيشوت» تتلاشى كالسراب ولن يتحسن شيء، ولن يلتفتوا إلى حل المشاكل فكل ما فعلوه هو تغيير الكراسي في مسرح القباني بطريقة أسوأ مما كانت عليه، وحتى إنني في أول يوم عرض لـ «طميمة» تم إسعافي للمشفى وكنت على شفير الوفاة بسبب التهوية السيئة، فالمكيف معطل منذ خمس سنوات.

ولكن كيف يتم استقطاب نجوم الدراما التلفزيونية والظرفية الحالية للمسرح بلغت هذا السوء؟

عندما يشارك في العرض المسرحي نجم تلفزيوني كبير، تختلف كل الظرفية وحتى الميزانية الإنتاجية، فالديكور مختلف والملابس يمكن تأمينها، والنجم والنص وحتى الإخراج كلّهم أجورهم أعلى، في حين العروض المسرحية الأخرى تبقى ميزانيتها متعلقة بما تمليه القوانين والأنظمة المسرحية. أنا لا أبالغ وهذا هو الواقع وعلى الخصوص في الأزمة، فلقد لغت وزارة الثقافة أمراً اسمه الإعلان، وأيضاً تم إلغاء شراء الأحذية للممثلين، وبالمقابل الوزارة لم تلغِ المهرجانات والتكريمات الثقافية والخطابات التي تكلف الملايين. وللأسف يأتون إلى المسرح ويقللون من نفقاته باعتبارها بنظرهم غير ضرورية.

وأخيراً الحالة الخدمية في المسرح فيها ألف مشكلة وتحتاج إلى توجه جدّي من القائمين فهناك مشاكل بالخشبة وبالكواليس وبالتهوية، وهي برأيي أهم من الكثير مما ذكرته أعلاه من مهرجانات وتكريمات لا حاجة لها، لأننا انتصرنا بهمة شباب جيشنا السوري، الذين هم الأحق بهذه الأموال سواء الجرحى أو أهل الشهداء، وهم أيضاً أولى من المسرح، الأخير الذي يأتي بالدرجة الثانية بعدهم، فالحركة الثقافية هكذا تتطور وليس بالمهرجانات ولا بالمؤتمرات الخطابية الرنانة.

لماذا لا تُزاد الميزانية المسرحية لتُعمم على أهم العروض المطروحة ولا تقتصر على شريحة معينة من النجوم؟

هذه الـ«لماذا» اذهبي إلى وزارة الثقافة واسألي هناك، وأنا متأكد بأنك لن تجدي أي جواب.

لننتقل للحديث عن المعهد العالي للفنون المسرحية… أثناء تجربتك التدريسية لقّبك الطلاب بـ«الخال».. واليوم انتشر اللقب بشكل أكبر… أخبرنا القصة؟

في الحقيقة لا أدري جذر اللقب وبصراحة في البداية كنت أستاء منه، ولكن تغيرت نظرتي له لكون علاقتي مع الطلاب لم تقتصر على المرحلة التدريسية بل انتقلت لتحمل هموم الشباب ومشاكلهم، ربما بسبب قضائهم وقتاً أطول أثناء الدوام في المعهد بعيداً عن عائلاتهم وأصدقائهم، فوجدوني الشخص الذي يستوعبهم، الأمر الذي قرّبني منهم لأكون كما «الخال» الحقيقي الذي يهتم بأولاد أخته ويكون صديقاً لهم، فهم بالمعهد كانوا يقولون لي «أستاذ» و خارج أوقات الدوام ينادونني بالـ «خال» .

ولكن توطّدت هذه العلاقة وتميّزها مع الطلاب هل أحرجتك يوماً… بمعنى كم كان صعباً عليك أن تقول لطالب ما: «يا ابني إنت مش موهوب وما فيك تكمل معنا بالمعهد»؟

أنا كمدرس أعرف قدرة الطالب الذي أمامي، فهناك الكثير من الأشخاص الذين دخلوا المعهد معي وفرضتهم الواسطة وهم اليوم في بيوتهم، فإذا نفعتهم الواسطة أثناء الدراسة فهي لم تنفعهم أثناء العمل وإثبات النفس، وخصوصاً أنهم لا يمتلكون أدنى موهبة ولا أي مخزون يمكن توظيفه بالشكل الصحيح، ولكن وبالمقابل هناك أشخاص يحبون التمثيل ويسعون رغم الملاحظات بكل جهدهم لإثبات أنفسهم. صدقاً هؤلاء الأشخاص بالفعل عذبوني، ولكنهم -البعض منهم- تفعل جملتي بهم «بأنهم لا ينفعون بالتمثيل» فعلاً تحفيزياً بمعنى يتشكل لديهم الدافع، ويطورون من أنفسهم ليعودوا ويقولون لي: «انظر أين نحن اليوم». في الحقيقة أكون سعيداً بما حققوه، فصدقي مع الطلاب هو من دافع حبي وخوفي عليهم، كما أنني مدرك للمعمعة في الوسط الفني والمسرح وطريقة العمل بالإضافة إلى المحسوبيات… إلخ، لهذا أقول لهم أن يختاروا طريقا آخر.

كما وأحب أن أضيف هنا وبمناسبة الحديث بأن إدراكي لآلية التفكير في المعهد هي التي دفعتني لتركه بحثاً عن أحلامي، فالتدريس يدفع إلى تحقيق أحلام الآخرين، بمعنى أنني بقيت سبع سنوات أدرّس بالمعهد العالي للفنون المسرحية ولم أستفد مادياً ولا معنوياً من الجهات المعنية، بل وتم تسويق تركي للمعهد بطريقة مسيئة، هذا وهناك مجموعة من الأسماء مرّت في إدارة المعهد لم تفده، بل قدمت خطابات رنانة بعيداً عن تسليط الضوء على المشاكل من أجل حلها، لهذا اليوم أعود إلى أحلامي التي لم أحققها وما زالت علاقتي ودّية مع الطلاب الذين يتواصلون معي بشكل دائم.

أخيراً هل أنت متفائل بالقادم؟

نعم وأتوقع بأن يتحسن الوضع أكثر مع تطور الظروف، كما وأنني متفائل أكثر بالجيل الشاب الذي سيحقق ما نريده في المستقبل، لأنه وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح ولن يستمر الفساد بوجوده مهما كثُر أعوانه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن