ثقافة وفن

الشهرة ليست مطلباً للفنان الحقيقي بل هي مقتل … سوسن أبو عفّار لـ«الوطن»: العفويّة والثقافة والصدق والجرأة من ضرورات الممثل المنهجي

عامر فؤاد عامر- تصوير: طارق السعدوني :

شخصيّة فنيّة لافتة للانتباه، صنعت بوجودها حالة فنيّة فريدة في الوسط الفني السوري، فكانت بصدقها وعفويتها ذات حضور خاصّ لمن يهتم بلغة الفنّ والإبداع. انتقاؤها صعب جداً للشخصيّة التي تؤديها وتخلص كثيراً للدور، والحوار المكتوب، وهي من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق عام «1990»، عرفناها في أجمل وأهمّ المسرحيّات التي قُدّمت في سورية، مثل «سوبر ماركت» لأيمن زيدان، و«مات 3 مرّات» لحاتم علي، و«عنبر رقم6» لجواد الأسدي، و«الآلية» لمانويل جيجي، و«كذا انقلاب» لبسام كوسا، و«محاولة طيران» لوليد قوتلي، أمّا في التلفزيون فأدوارها القليلة فاجأت الجمهور المتابع لقوّتها في تقمّص الشخصيّة، فأجادت في «حدود شقيقة»، و«أبواب الغيم»، و«تشيللو»، و«غداً نلتقي» وغيرها. الفنانة ذات الحضور الخاصّ «سوسن أبو عفّار» تتحدّث في لقاء (حصري) لجريدة «الوطن» عن مفاهيم الفنّ وخصوصيّتها فيه.

عفويّة أبو عفّار

تعدّ العفويّة صفة أساسية في شخصيّة «سوسن أبو عفّار» الفنيّة، لكن كيف يمكن لها أن تبقى بهذا الطابع؛ وذلك أمام قيود الكاميرا، والنصّ، والمخرج، وأيضاً هناك الطرف الآخر (الممثل) الذي يحتاج للبناء أيضاً، وعن هذا السؤال كانت إجابتها: «ببساطة شديدة أقدّم نفسي وكأنّني لا أمثل أبداً؛ فأعتبر أن كلّ ما يجري حولي هو حقيقي، ففي لحظة أدخل في الإحساس، وألتقطه، وأنفذه، وأقدّم التعبير عنه، وكأنّه لا يوجد تمثيل، ولحظة انتهاء المشهد أعود للواقع، وأعلم أن ما أقوم به هو تمثيل فقط، ففي اللحظة التي أدخل فيها المشهد أصدّق فوراً ما يجري من حولي، وكلّ ما يحدّث في المشهد هو الحقيقة التي أعيشها في يومي، أمّا خارج المشهد فأحضّر للدور، وأحفظ الحوار، ودائماً منهمكة في مستلزمات الدور، كي أكون جاهزة في كلّ ما هو مطلوب مني، إذا هناك فصل بين التحضير للمشهد، وبين معايشة المشهد، وهناك نقطة زمنيّة تفصل بين الأمرين، هي لحظة الدخول للمشهد، والتي تنقلني سريعاً إلى تصديق ما يجري في المشهد، فلا أشكّ فيما يجري من حولي، ولو لثوانٍ، فأحيا به وكأنّه الحقيقة تماماً».

قواعد وضرورات
هناك قواعد أساسية على الممثل المنهجي أن يتبعها فتصبح من الضرورات التي لا يمكنه التخلي عنها، وهذه القواعد حدّثتنا عنها ضيفتنا «سوسن أبو عفّار»: «العفويّة التي ذكرتها سابقاً هي أول ما يمكن التحدّث عنه، وأيضاً الثقافة والفكر، فهما أمران مهمّان، ليقدّم الممثل نفسه، والثقافة واجب على الممثل أن يتمتّع بها من أجل تطوير الحالة العفويّة لديه، فهناك علاقة مباشرة بينهما، وهنا تعود بي الذاكرة لمسألة اشتغل عليها الدكتور المسرحي المرحوم «فواز الساجر» عندما درّسني مع أبناء دفعتي في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، وكان إضافة إلى ذلك شديد الحرص على صفة الصدق في الأداء التمثيلي. أيضاً من الأشياء التي يمكنني جمعها مع كلّ ما ذكرت هي الجرأة، فالخوف مسألة تلغي الحالة التمثيليّة الحقيقيّة، وبالحبّ يمكن القضاء على صفة الخوف تماماً، والتي تؤدي بنا لصفة الجرأة».

الفنان في الظرف يجب ألا يشبه نفسه
أثناء الحديث عن قواعد أساسية على الممثل المنهجي التمتع بها، أوضحت الفنانة «سوسن أبو عفار» العلاقة بين التلقائيّة والاكتساب، وفيما يلي توضيحها لهذه العلاقة، بحسب رأيها وملاحظتها: « التلقائيّة حالة مكتسبة، فبالمقارنة بين ماضي أي فنان محترف وحاضره سنلاحظ مدى تطوّر العفويّة لديه، وأذكر الفنان «بسام كوسا» كمثال لأنه الفنان الأقدر على الخروج من تفاصيل شخصيّة إلى تفاصيل شخصيّة أخرى، فهو يهتمّ بالتفاصيل كمن ينحت في الصخر، وباجتهادٍ دائمٍ، ولولا فهمه لصفة التلقائيّة لما أوصل لنا تفاصيل الشخصيّة التي يؤديها، وأعتقد أن هذا يحتاج لتدريب مستمر، وهنا علينا أن نقدّر مسألة الفنان في الظرف الذي يضع نفسه فيه، وبين مسألة ألا يشبه الفنان نفسه في ظرف آخر، فإذا وصل الفنان لهذه الصورة سيكون فناناً ذا لغة احترافيّة».

مسرحيّات لا يبثّها التلفزيون السوري
لدى قراءة السيرة الذاتيّة للفنانة «سوسن أبو عفار» يلاحظ القارئ أنها امتلكت في هذه السيرة العمل مع أفضل المخرجين كما كان خيارها في أجمل النصوص، وعن هذه الملاحظة تقول: «كلّ عمل مسرحي شاركت فيه قدّم لي تطوراً لشخصيّتي الفنيّة، وربما لا أدقق في خياراتي التلفزيونيّة بالقدر الذي أدقق فيه في شخصيّات المسرح المتاحة لي بمعنى أنني في المسرح لا يمكن قبول الدور إلا إذا كان على مستوى عالٍ، وإذا لم يكن المخرج كما يجب ومقتنعة به لا يمكنني العمل أبداً، وهناك مسرحيّات مهمّة وجميلة جداً قدّمناها على مسارحنا، ولا أعلم لماذا لا يبثّها التلفزيون السوري!؟ واليوم نعمل على مسرحيّة جديدة، والنص لـلمسرحي «تيلسي ويليامز» والمخرج «أسامة غنم»، تمّ تحويل النص فيها للبيئة الشاميّة، بمعنى دمشق في زمن الحرب، لكن بتفاصيل النص المسرحي الأساسي، وموعد العرض في 15 تشرين الأوّل، والممثلون هم «كنان حميدان»، و«نانسي خوري»، و«جابر جوخدار»، وقد أمضينا مدّة عام من التدريب. وبالعودة لعرض التخرج الذي كان بداية للانطلاق بعد التخرج في المعهد تعلّق الفنانة «سوسن أبو عفّار» على عرض « فتى الغرب المدلل»: «كان هذا العرض مقتلاً بالنسبة لي، فالمخرج البولوني المسؤول في الدفعة كان صهيونيّاً، وحقد عليّ كوني فلسطينيّة الأصل، وحتى اليوم لا أعلم كيف سمحت له الدولة بالدخول للمعهد وتخريج دفعتنا! ولربما لم ينتبهوا لهذه المسألة لكنه في الحقيقة كان صهيونيّاً، ودارت بيننا جدالات كثيرة بعد معرفته أنني من فلسطين».

الفصل
بين المسرح ولغة اعتادتها الفنانة «سوسن أبو عفّار» في الدراسة ضمن أكاديميّتها، كما كلّ الطلاب طبعاً، وبين العمل أمام كاميرا التلفزيون، كان لها جواب وذكرى مع المخرج «حاتم علي»: «حاتم علي» هو المخرج الأول الذي أوصل لي فكرة الفصل بين الأداء المسرحي، والأداء أمام كاميرا التلفزيون، فالتمثيل في المسرح يستدعي من الممثل أن يمنح كلّ حركة تفصيلاتها الكاملة، وزيادة عليها، كي تصل للمتفرج مباشرةً، وخاصّة أنّ منصة المسرح تعدّ بعيدة عنه بشكلٍ أو بآخر، ولكن أيضاً مع هذه الحركة هناك مشاعر توازيها، وبالوتيرة نفسها والقوّة، أمّا التمثيل أمام كاميرا التلفزيون فلا يحتاج لكلّ هذه القوّة والصدّق، وعندما كنت أمثّل أمام كاميرا «حاتم علي» لاحظ أنني أمثل بطريقة المسرح، فنبّهني أكثر من مرّة، وبقيت 3 أيام حتى التقطتُ الفكرة منه، فلا تفكير بالفعل وردّة الفعل، بل فقط بالمشاعر والكلام، وراقبت زملائي كيف يؤدّون، وبالتالي أخذت الموجة الصحيحة في التمثيل التلفزيوني، ووجدته بسيطاً جداً، وأسهل بكثير من المسرح، الذي يحتاج إلى مبالغة في المشاعر، والحركات، لنصل إلى المتلقي».

فكر ثم عاطفة
تعدّ شخصيّة «سوسن أبو عفّار» الفنيّة مزيجاً واضحاً من الفكر ثم العاطفة، ولدى سؤالي لها حول لحظة طغيان الفكر على العاطفة وكذلك طغيان العاطفة على الفكر؛ ما الذي يتغير في سوسن؟ فتجيب: «عندما يطغى الفكر على العاطفة أشعر بذكائي، وعندما تطغى العواطف أفقد هذا الذكاء وأتحوّل لشخصيّة من السهل الاحتيال عليها. عموماً يجب أن يكون هناك توازن في الأمرين، فالذكاء يجب أن يكون حاضراً في حياتي كفنانة، ولا يجوز الاتكال على المخرج في كلّ شيء، فهو يقدّم التوجيه، والهيكل العام، وأنا عليّ متابعة التفاصيل، ولا يجوز النطق بأيّ جملة بصورة مجّانيّة، بل يجب أن أعلم بأن كلّ كلمة أين تتجه». لكنّها أضافت تتمّة على الجواب لا بدّ من ذكرها: « الحبّ هو أساس النجاح في مهنتي، فأيّ فعلٍ نحبّه سينجح معنا، وعندما أكون وسط العمل، أشعر وكأنّني في الجنّة، أمّا من دونه فأنا في جهنم، وهذه الحالة صعبة جداً، وكلّ من هم حولي سيتأثرون بحالتي، خاصّة أفراد عائلتي، ولذلك أتمنى ألا أنقطع عن العمل لأن الحالة تصبح صعبة جداً».

من «تشيللو» إلى «غداً نلتقي»
عرجنا على مشاركة الفنانة سوسن أبو عفّار في مسلسلي «تشيللو» للمخرج «سامر برقاوي»، و«غداً نلتقي» للمخرج رامي حنّا فدار الحديث التالي: «لا تشبهني الشخصية في «تشيللو» من قريب ولا من بعيد، ولا أحبّ هذا النمط من الناس، لأنهم لا يملكون الحريّة، وسلوكهم محسوب، وأنا في حياتي تعدّ الحريّة في التعامل صفة أساسية لا يمكنني العيش من دونها، ولا يمكن أن أكون شديدة الحسابات كما في تلك الشخصيّة، فقد عانيت من هذه الشخصيّة كثيراً، كما عانى مني المخرج «سامر برقاوي» وله مني كل التقدير والمحبّة. أمّا التجربة في «غداً نلتقي» فقد أثبت «رامي حنّا» أنه مخرج ذكي، وحسّاس، وإنساني، وطيّب، ودمث، والابتسامة لا تفارقه، وهذا كان إيجابياً جداً لي أيضاً، فقد منحني دوراً صعباً، وحاولت أن أقترب من الشخصيّة ما استطعت، وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك، والدور يتحدّث عن امرأة تمتهن مهنة غسل الأموات، والناس تحبّ هؤلاء أثناء العمل، وتبتعد عنهم في مناسبات أخرى، لأن المهنة مكروهة، وقد أحببت الدور لأنّها مهنة لم تُجسّد من قبل، فحاولت أن أعمل على قوّة الجسد ومقدرتها في التعامل مع الجثث، وفي أماكن لم أسيطر على الشخصيّة وفي أماكن أخرى استطعت ولذلك بكيت في لحظاتٍ أثناء العمل».

لا للقاءات في الإعلام
عن رأيّها في مفهوم الحوار الصحفي، ولماذا هي مقلّة في الظهور ضمن الوسائل الإعلاميّة تعلل وتوضح لنا رؤيتها: « اللقاء يحرق الفنان، وأنا مع بقاء الفنان في عالم المجهول، أمّا الشهرة فهي إخفاق الفنان، ويجب أن يسعى الفنان الحقيقي لتجسيد دوره من دون أن يكشفه الناس في الطريق، وهذا طموحي في العمل. والناس عندما عرفتني في مسلسل «مطلوب رجال» انزعجت كثيراً، وردّة فعلي كانت أنني سعيت لتنحيف نفسي نحو 30 كيلو غراماً، فلم تعدّ الناس تعرفني وعندها ارتحت، وفي العمل الجديد القادم سأسعى لتقديم كاراكتر غريب لن تعرفني الناس فيه، والشهرة ليست مطلباً للفنان الحقيقي بل هي مقتل».

أعشق الشخصيّة البوليسيّة
الشخصيّة التي تحلم بها الفنانة «سوسن أبو عفّار» لها شروط عليها حدّثتنا عنها وعن نوع العمل المحبب إليها: «أيّ شخصيّة سألعبها يجب أن أحبّها، ويجب أن يلعب خيالي فيها، وكلّما كانت بعيدة عن شخصيّتي قبلتها أكثر، وأنا أحبّ الأعمال البوليسيّة، وأتابع كلّ الأعمال من هذا النوع حتى العربيّة منها، فأنا أجد فيها متعة شديدة، وأتمنى التمثيل في الأعمال البوليسيّة».

كلمة لـ«الوطن»
«سررت باللقاء، وصحيفة «الوطن» محبوبة، ومتابعة من الجميع، وقد صرّحت سابقاً أنني لست مع اللقاءات؛ لأنّها تحرق الفنان، لكن معكم أنا مطمئنة جداً، وهي المرّة الأخيرة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن