لعلّي لا أبالغ إذا قلت إني شهدت جانباً من ولادة هذه القاعة، من خلال صلتي الوثيقة بالسيد محمد علي الخياط (أبو سليمان)، الذي قام بكسوة هذه القاعة بالحلقة الخشبية لجدرانها وطزرات سقوفها، بما هي عليه من فن أصيل يحاكي صور إبداع الخيال.
تقع هذه القاعة بالجانب الشمالي من المتحف الوطني بدمشق.
فقد عرف العرب الدهان العجمي على الخشب وتذهيبه منذ العصر الأموي. أما إطلاق هذه التسمية على هذا الدهان، إنما شهرة إيران به، فنسب إليها، ثم ما لبث أن أصبح على درجة عالية من الإبداع زمن العصر الأيوبي والمملوكي ثم بالعصر العثماني ويكمن بين نوعين هذا الدهان، هما النوع الحريري والنوع الناشف.
وقد استخدم النوع الحريري من هذا الدهان بطلاء طزرات السقوف وخاصة القاعات. فكانت تلك السقوف على درجة من التفنن والإبداع، حتى كان السقف منها أشبه بسجادة عجمية بألوانها وزخارفها، لكون هذا الدخان مستخلصاً من الزيوت.
أما النوع الثاني (الناشف) من هذا الدهان فقد استعمل لطلاء الحلقة الخشبية من جدران القاعات والمكتبات والشبابيك وأصنافها، وهذا النوع من الدهان من تركيب ترابي ويكون على شكل رسوم نافرة للأزهار وعروق النبات وأشكال هندسية وأقواس.
وقد كان لدهان القاعة الشامية التي بالجناح الشمالي من المتحف الوطني بدمشق حكاية تتصل بما هو عليه دهان هذه القاعة من فن وإبداع، على يد المبدع محمد علي الخياط (أبو سليمان).
تعود هذه القاعة إلى السيد جميل مردم بك، وهو أحد رجال الكتلة الوطنية، التي عملت على مقارعة الاحتلال الفرنسي لسورية.
وقد استهدفت القاعة الطائرات الفرنسية في منطقة سيدي عامود، وهي التي يطلق عليها اسم الحريقة بأيامنا، فهدمت القذائف الفرنسية دار مردم، فحاول مردم بك الاستعانة بالعناصر الفنية لترميم القاعة، ومن ثم نقلها إلى قصر يريد بناءه بمدينة دمشق، فطلب إلى أبو سليمان الخياط القيام بذلك.
لكن مردم بك أهدى خشبية هذه القاعة إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف التي طلبت من الخياط القيام بتركيب هذه القاعة، بجناح المحاضرات بالجانب الشمالي الغربي من بناء المتحف الوطني بدمشق.
وقد تميز الخياط بما هو عليه من أعمال الخشب بمدينة دمشق وخارجها، وكان من أهم أعماله، كسوة وتزيين قاعة مجلس الشعب، وقصر لجنة مياه عين الفيجة بمدينة دمشق، وكانت خاتمة أعماله القيام بكسوة قاعة المحاضرات بالمتحف الوطني وهي القاعة المعروفة باسم القاعة الشامية، موضوع بحثنا.
وقد توصل الخياط إلى معرفة تركيب الدهان الخشبي الترابي المنشأ، ومعرفة الملاط التي يقوم عليه لصنع فصوص الفسيفساء وجعل هذه المادة لا تجف بسرعة، حتى يتمكن من إنجاز عمله بدقة فضلاً عن ذلك، فقد تمكن الخياط من تصنيف فنون الحفر على الخشب وجعل منها ما يطلق عليه الأسلوب القيصري والعباسي والفاطمي والأيوبي حتى لا تختلط أعمال أي أسلوب بأعمال أسلوب آخر.
وكان أروع أعماله القاعة الشامية التي نحن بصددها بالإضافات التي أجراها بحيث تغطي المخصصة بالمتحف الوطني، وهي إضافات لم يستطع أحد من الخبراء تمييزها عن هيكل القاعة الأصلي.
تتكون هذه القاعة من أربعة أقسام هي العتبة والطزران الجانبيان، والغرفة الداخلية الشمالية وقد تميزت القبة بسقفها العالي، ولهذا السقف رقبة مرتفعة، وتتألف واجهتها الشمالية من باب والمصطبتين، يحيط بها مداميك بيضاء وسوداء متناوبة، ويعلو كل من المصطبتين نصف قبة مقرنصة، أما قوسا المصطبتين فهما من رخام أسود وأحمر، يداخله رخام أبيض.
وإلى جانبي كل من المصطبتين عمودان من الرخام، لكل منهما تاج وقاعدة، وقد كُــسي داخل المصطبتين بالرخام الأبيض والأحمر والأسود يتخلله رخام أبيض وذلك بأشكال هندسية أما أرض العتبة فمفروشة بحصيرة من الرخام يتوسطها فسقية (بحرة) رخامية.
والطزران المتناظران، لكل من جوانبهما الثلاثة نافذتان بينهما خزانة أو خرستان، أما أعلى النوافذ، فمزين بألواح رخامية، مع عناصر زخرفية.
وقد زينت جدران القاعة بحلقة خشبية تتألف من كتبيّات ونوافذ وأبواب وألواح خشبية مزينة بزخارف نباتية وهندسية نافرة، وهي مدهونة بألوان ذهبية مع حشوات مكتوبة بالخط الفارسي النافر المذهب.
وقد جمعت هذه الكسوة وانتهت بالأعلى بطنف بارز مزين بمجموعتين من الزخارف.