اقتصاد

رأي قانوني: الالتزام بالسرية المصرفية لا مجال للاجتهاد فيه

المحامي نذير سنان :

قرأت في الصفحة (6) من صحيفة «الوطن» الصادرة يوم الثلاثاء 29 أيلول 2015 العدد 2239 جواب السيد وزير العدل نجم الأحمد عن سؤال وزير المالية السيد إسماعيل إسماعيل عن الحالات التي تقتضي فيها الضرورة الاطلاع على الحسابات المشمولة بالسرية في المصارف من جهات غير مفوضة قانونياً بذلك بأن الظرف يقتضي والحالة هذه تعديل النص القانوني، وبين وزير العدل أنه لا اجتهاد في مورد النص، كما أن وزير المالية طلب من وزير العدل الأحمد التوضيح في كتاب وجهه إلى وزير المالية وحصلت «الوطن» على نسخة منه أن النصوص القانونية الناظمة لأحكام السرية المصرفية والقواعد الخاصة لضبط تلك السرية وظروفها الإدارية والرقابية فوضت جهات محددة بالاطلاع على الحسابات المصرفية لاعتبارات تتعلق بظروف عملها وعلى ما جاء في مذكرة أعدت من قبل المصارف العامة (التوفير- الزراعي- التجاري- التسليف- الصناعي)، وحددت الجهات الرقابية المخولة بطلب معلومات عن المتعاملين الاطلاع على وثائق وأضابير المتعاملين لدى المصارف العامة وهي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، الجهاز المركزي للرقابة المالية ومصرف سورية المركزي وهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إضافة إلى مفوضية الحكومة لدى المصارف، وأكدت المذكرة أن أي جهة أخرى مهما كانت صفتها لا تستطيع الحصول على معلومات إلا بطلب من المحاكم القضائية المختصة في معرض دعوى قضائية، وكان مبرر هذه المذكرة حدوث الكثير من التجاوزات في الآونة الأخيرة من بعض الجهات غير المخولة. وفي تصريح لـ«الوطن» أكد مسؤول مصرفي أن جواب وزير العدل عن تساؤل وزير المالية يقتضي تعديل النص القانوني لتلبية الظروف المستجدة، وقد أكد مصرف سورية المركزي بموجب كتابه الموجه إلى رئاسة الحكومة على التعميم على الجهات المعنية لمراعاة أحكام السرية المصرفية.
لقد درست هذا الموضوع بصفتي مواطناً سورياً مارس العمل القانوني لأكثر من (45) سنة فوجدت أنه من واجبي الوطني السوري أن أبين رأيي القانوني في هذا الموضوع:
إن من أهم المبادئ في أي مجتمع هو سيادة القانون، فالقانون هو المظلة التي تحمي جميع أفراد المجتمع على اختلاف أعمالهم وصفاتهم وصلاحياتهم، كما أن الدولة تسعى دوماً إلى تحقيق الأمن وسيادة القانون والعدالة وحماية ملكية المواطن مهما كانت صفته ومركزه في المجتمع، ومن هذه المبادئ فإني أؤكد على أن الالتزام بسرية المصارف هو نص لا مجال للاجتهاد فيه، فالمشرّع في سورية أصدر القانون رقم (29) سنة 2001 حيث نص: على أنه لا يحق لأي شخص أن يطلع على حسابات المصارف إلا بإذن خطي من المودع أو من ورثته الشرعيين أو الموصى لهم، أو إذا أعلن إفلاسه أصولاً أو بناءً على طلب من المحكمة المختصة في موضوع يتعلق بأموال أحد أطراف الدعوى، حتى أن المشرع نص في المادة /5/ منه على ما يلي:
لا يجوز إلقاء أي حجز احتياطي على الأموال والموجودات المودعة في المصارف إلا بعد صدور أحكام قضائية قطعية لمصلحة الجهات العامة أو الجهات الخاصة، وهذا يعني أنه ليس لأي شخص (طبيعي أو اعتباري مسؤول أو غير مسؤول، وزير أو غير وزير) أن يطلب إفشاء سر حسابات المصارف بأي شكل من الأشكال، لأن صيانة وحفظ أموال المصارف والمودعين تحمل طابع السرية الكاملة ولا يجوز كشفها إلا وفقاً للقانون. إن الأساس في أي دولة هو سيادة القانون، أي لا يجوز لأي جهة كانت أن تعمل على تعديل القوانين لأي سبب كان إلا إذا كان القانون المطلوب إصداره يلبي حاجة المجتمع والوطن والدولة.
قد تكون الغاية من كشف حسابات أشخاص (طبيعيين أو اعتباريين) لتحديد مصداقية المكلف الذي يقدم ميزانيته إلى الدوائر المالية، وفي هذه الحالة فعلى الدوائر المالية أن تتخذ إجراءات أمام القضاء في كل ما يتعلق بتهرب المكلف من الضريبة، وأنه من المؤكد أن أداء الضريبة ومقدارها تستخدمه الدولة لمصلحة الوطن والمواطن.

لذلك كله:
ومهما كانت الظروف التي تمر بها سورية من خلال الحرب الكونية التي شنّت عليها مع يوم 15/3/2011 حتى يومنا هذا، فإن الواجب الوطني يقتضي الحفاظ على سيادة القانون والتركيز على الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة وبالعكس. ولا بد لي أن أذكر بأنه نشأت منازعات بين بعض البنوك في العالم حيث تم توجيه التهم إلى البنوك بعدم تأمين الحماية لحسابات زبائنها وبعدم التقيد بالسرية المصرفية، أو نتيجة الضغوط الدولية الهادفة إلى زعزعة السرية المصرفية أو النظام الأمني عن طريق اختراق أنظمة الحواسب الإلكترونية في أي مصرف، الأمر الذي نتج عنه مشاكل وخلافات خطيرة جداً في العديد من دول العالم ما أدى إلى العمل بصورة علمية وفنية من أجل وضع طرق لحماية عملاء المصارف وإلى الزيادة في نطاق الالتزام بالسرية المصرفية، لأن هذا أمر يحقق حماية الحياة الخاصة للمودع وبذات الوقت يحقق ثقة المودع بالقانون وسيادته ونفاذه، ولابد أن أذكر مثالاً على ذلك وهو أن الحماية السرية المصرفية في سويسرا تشكل حجر الأساس الذي تبنى عليه معظم النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في سويسرا وغيرها من الدول التي تطبق السرية المصرفية، وهذا نابع من تقديسها للحرية الشخصية بحيث يتم تكريس هذه الحماية بشكل دقيق حتى توصلت الإدارات المصرفية في سويسرا والحكومة السويسرية إلى عدم قدرة أي شخص على اختراقها أو انتهاكها.
ويعتبر ذلك من البديهيات والأولويات التي تتبعها المصارف والإدارات العامة الحكومية في سويسرا، ومن الجدير بالذكر أن الحكومة السويسرية المركزية في بيرن رفضت طلب الحكومة الأميركية وبعض إدارات (سي أي أي) منذ عدة سنوات أن تطلع على الحسابات المصرفية لبعض المتعاملين مع البنوك في سويسرا.

ونخلص مما تقدم:
فإن رأيي عدم تعديل القانون رقم (29) سنة 2001 حيث إنه يمكن للجهات العامة أن تطلع على ما تريد في الحسابات المصرفية عن طريق القضاء بصدد منازعات قضائية محددة، ولا بد من التأكيد أن رأي وزير العدل موافق لأحكام الدستور فيما يتعلق بسرية المصارف، كما أن أي تعديل لقانون سرية المصارف ليس مرتبطاً بإرادة السلطتين التشريعية والتنفيذية حصراً، وأؤكد أن الأمن والأمان في سورية هو هدفنا في هذه الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن