السلطان العثماني الجديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفي حالة هستيرية، طالب جنود بلاده بتحقيق «ملاحم» في ليبيا، باستلهام «بطولات» القرصان خير الدين بربروس المسمّى أمير البحارة العثمانيين.
بالمقابل يحلم أردوغان بعودة العثمانية، عبر مشروعه الدونكيشوتي الوهمي في البحر المتوسط، الذي أطلق عليه «الوطن الأزرق»، هذا المشروع العدواني يعتبر من أكبر عمليات التزوير والتلاعب بالجغرافيا التي عرفها التاريخ، وهي المحرك الرئيس لأفعال أردوغان ومطامعه الحمقاء بالخلافة العثمانية.
يستخدم أردوغان المسلسلات الدرامية التاريخية التركية المدعومة من الدولة كأسلحة لتزييف التاريخ، في محاولة فاشلة لاستعادة زمن ولى وآخرها مسلسل «أرطغرل» لتصدير تاريخ زائف عن فتح عثماني كان غزواً واحتلالاً، قاومه العرب قرونا من الزمان.
مسلسل «أرطغرل»، محمل برسائل مدمرة لاختراق الوجدان العربي بعدد هائل من الأكاذيب، وتشير العديد من المراجع الغربية الموثوقة إلى أن شخصية أرطغرل وهمية صنعها ابنه عثمان، حتى تمهد له إقامة إمبراطوريته البائدة.
بعد قرنٌ كاملٌ على غروب شمس الدولة العثمانية، لا يزال أردوغان يدّعي أن أملاكها في كل أرضٍ وصلت إليها جيوشها هي أملاك تركية. تركيا أردوغان متورطة في ثلاث حروب: واحدة داخلها مع الأكراد، وثانية في العراق مع الأكراد أيضاً، وثالثة في الشمال السوري التي ستكون مصيدة لنظام أردوغان الداعم للجماعات الإرهابية المرتزقة، فقد فكّر أردوغان في الهروب إلى الأمام، احتلّ شمال شرقي سورية. معتقداً أنها خطوة ضمن مساحات استعادة أمجاد أجداده، ولما أخفق في هذه المهمة، فكر بنقل المعركة إلى ليبيا.
أردوغان يأخذ تركيا إلى مأزق حرب رابعة في جبهة بعيدة في ليبيا تبعد آلاف الكيلومترات.
أردوغان يهرب من أزماته الداخلية بالتدخل في ليبيا، وفي مسرحية هزلية صورية، انتظر موافقة برلمان بلاده لشرعنة غزو ليبيا.
أبرم أردوغان اتفاقاً مع ما يسمى حكومة الوفاق، لاستنساخ حصان طروادة جديد لاحتلال ليبيا وابتلاع ثرواتها، متجاهلاً البرلمان الليبي السلطة الشرعية الليبية «مجلس النواب الليبي» الذي رفض الاتفاق، واعتبره احتلالاً تركياً لأراضي ليبيا، وهو اتفاق يرقى إلى تهم الخيانة العظمى. والبرلمان التركي أقر إرسال عسكريين لدعم الإرهابيين في طرابلس.
اتفاقية بيع ليبيا التي وقعها السراج الذي لا يملك صلاحية التوقيع مع من لا يستحق أردوغان، سقطت محلياً وإقليمياً ودولياً، لعدم شرعيتها هذه. الاتفاقية تلاعب بالجغرافيا وخرق للقانون الدولي لا يجوز ترسيم حدود بحرية بين تركيا وليبيا، لأن ليبيا لا تربطها أي حدود بحرية مع تركيا، الاتفاق يتجاهل وجود جزيرة كريت، حيث قال وزير الخارجية اليوناني إن «الاتفاق يتجاهل أمراً واقعاً وهو جزيرة كريت اليونانية».
كما يتجاهل الاتفاق مجموعة جزر دوديكانيسيا، التي فيها احتياطي كبير من الغاز، وهذا هو هدف أردوغان ومطمعه، فتركيا تقوم برسم الحدود البحرية مع دولة غير متشاطئة معها، وبإشعال النار في منطقة شرق البحر المتوسط، وستدخل في مواجهة مع دول شرق هذا البحر.
صَدّق أردوغان أن الأوهام يمكن أن تصبح حقيقة.
لفظته أمواج شرق المتوسط، ظن أنه سيكون وصياً على نفط وغاز غرب ليبيا، قام بإرسال القوات العسكرية والمرتزقة الإرهابيين، ونصّب نفسه الوريث للعثمانية، ونسي أن التركة ملطخة بالدماء. وتجاهل قراءة الجغرافيا، ورسب في اختبار التاريخ. وأغرق المنطقة العربية بالفتن والمؤامرات.
مشروع الإخوان هو المحرك الحقيقي لأردوغان في منطقة البحر المتوسط.
أردوغان الموهوم بالتاريخ، يريد أن يستعيد عصر السلطنة العثمانية الذي استنزف العالم العربي لقرون.
ما سبق يشكل مكونات مأزق القيادة التركية التي تزداد تورطاً كل يوم، ولا تعمل على الخروج من أزمات وضعت نفسها فيها، وإنما تضيف أزمات جديدة؟
مؤتمر برلين الأخير حول ليبيا عبر عن مخاوف أوروبا من التدخل العسكري التركي الذي يعمق من معضلة اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. أوروبا لن تسمح بأن تصبح وجهة للإرهاب والتطرف القادم عبر سواحل ليبيا الغربية، وهذا ما يحاول أردوغان ابتزاز أوروبا من خلاله عملياً، أردوغان يقفز في الهواء من دون وعي بأن معركة النفط العالمية، ليست في مصلحة أهدافه في ليبيا.
بالمقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يقدم مكاسب محتملة على طبق من فضة لأنقرة.
فدخول أردوغان إلى الغرب الليبي يشكل قوة مانعة للمصالح الروسية ويهددها في منطقة تعدها بوابتها إلى المغرب العربي.
الهدف من تدخل تركيا في الشأن السوري، هو نفسه الذي يحرّكها للتدخل في ليبيا. أردوغان يبعث جيشه الانكشاري الجديد إلى مناطق الاضطرابات ويستفيد منه. الانكشاريون الجدد هم الإرهابيون ممن تم تجميعهم على أسس عرقية ودينية. تقوم المخابرات التركية بنقل عناصر داعش، و«جبهة النصرة» من سورية إلى ليبيا.
الوافع أن إستراتيجية أردوغان تصطدم بعدة عراقيل في مقدمتها التاريخ الأسود والدموي لأجداده في المنطقة العربية والإقليم، إذ لم يترك العثمانيون بقعة دخلوها إلا وقتلوا وسفكوا ونكّلوا بأطفالها وشبابها وشيوخها.
مزقوا أجساد المجتمعات العربية، وأهانوا مؤسساتها، ومارسوا كل صنوف التخريب والفوضى والهدم، وسلّموها للاستعمار الغربي الذي لا تزال آثاره المريرة تلاحق حاضر الشعوب العربية حتى اليوم.
مصطفى كمال «أتاتورك»، كان قد تبرّأ من العثمانية لأنها، حسب رأيه، كانت دولة متخلفة واستبدادية و«رجعية»، لكن رجب طيب أردوغان مصاب بـ«فيروس» لوثة استعادة دولة الخلافة العثمانية بعد اختياره مرشداً للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين».
تناسى أردوغان أن تركيا نفسها معرّضة للتشظّي والانقسام، فهناك الأكراد الذين يشكّلون رقماً سياسياً وعددياً في المعادلة التركية، ولا بد من أن يعود لواء الاسكندرون العربي، الذي كان المحافظة الخامسة عشرة في الجمهورية العربية السورية والذي منحته فرنسا المستعمِرة لتركيا عام 1939.
أزمة أردوغان الداخلية هزت الاستقرار والاقتصاد، وشركائه في «العدالة والتنمية» ابتعدوا واحداً تلو الآخر.
إنه من الأفضل للأتراك، أن يُغلقوا هذه الأبواب التي فتحها رجب طيب أردوغان، إذ أن ما يسمّيها «الأملاك العثمانية» قد عادت إلى أهلها، وإن ليبيا للشعب الليبي من الأفضل للأتراك طيّ هذه الصفحة البائسة نهائياً التي فتحها أردوغان.
التي تعد نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم؟
الغزوة التركية لليبيا فشلت قبل أن تبدأ، لصعوبة تنفيذ ذلك على أرض الواقع، واختلاف الظروف الجغرافية التي دفعت أنقرة إلى التدخل العسكري في سورية، والتي لم ولن تحقق أهدافها… أصبحت السمعة التركية في الحضيض عالمياً، وغدت السياسة التركية مرتبطة بالتهور والغرور أردوغان راهن على التاريخ، ولم يدرك أن معادلات المصالح الآن أقوى من ذاكرة الماضي التي تفوح منها رائحة الدم وهو يتجاهل الجغرافيا والتاريخ والواقع وبالتالي يُظهر المشهد، مأزق بل إخفاق أطماع الأردوغانية العثمانية بين شبح القرصان «بربروس» وأوهام «الوطن الأزرق».