ثقافة وفن

عصيٌّ على التطبع

| د. اسكندر لوقا

في الحياة ثمة معادلات يصعب على المرء أن يتقبلها بشكل أو بآخر. وربما كان الجشع إحدى تلك المعادلات، إن صاحب هذه الطبيعة لا يختلف عن المعدة التي لا تعرف الشبع ولا تمتلئ بأي حال من الأحوال.
إن الجشع لمجرد الجشع أو الاكتناز بتعبير آخر، شبيه بالإنسان الذي لا يرى سوى نفسه على سطح المرآة كأنه الدائم على مدى الدهر، والآخرون ماضون في غد قريب، ولهذا يعد الجشع مرضاً إذا ما أصاب شخصاً استعصى على العلاج، شأنه كباقي الأمراض التي تشوه أصحابها، ولهذا الاعتبار يتجنب الناس المصابين بمرض الجشع حفاظاً على من عندهم من تبعات القنص، إذا ما تسنت لهؤلاء المرضى فرص الاستيلاء على ما ليس لهم بدافع حب الاكتناز إرضاء لغريزة الجشع.
وفي الحياة شواهد عديدة، حيث يزاحم مرضى الجشع الآخرين حتى على لقمة عيشهم، وليس بدافع الحاجة إليها حكماً، وإنما استجابة لطبيعة في النفس لا يغلبها التطبع مهما طال زمن الاعتياد عليه.
إن مرضاً كهذا، وخصوصاً في الأوقات الصعبة التي يمر بها بلد من بلدان العالم، من الطبيعي أن يعاني تبعاته من هم بحاجة إلى لقمة العيش فضلاً عن الحاجات الأخرى، وذلك في حالة الوقوع في شباك المصاب بمرض الجشع، سواء أكان بحاجة إلى لقمة عيش الآخر أم لا، لأن مرضاً كهذا لا يعرف خطاً فاصلاً بين من يؤمن بأن له ما لغيره ومن لا يؤمن بهذا.
وفي معظم الأوقات، عندما ينقطع هذا الخط الفاصل، تكون تداعياته أشبه بتداعيات احتراق قطع الحطب داخل المدفئة، تدفئ صاحبها في البداية، ثم تصيبهم بلهيبها الحارق في نهاية المطاف. فالجشع، بشكل أو بآخر، يبقى مرضاً كما الطبع الذي لا يعرف التطبع مهما جاء فيه من أقوال حكماء التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن