ثقافة وفن

لمجد الإنسان

| إسماعيل مروة

وإن غاب جناح رحباني، إلا أن الرسالة الإنسانية بقيت مهيمنة مسيطرة على الفكر الذي خرج من تربة المتوسط، ليرقب البعيد القريب، والقريب المثال العصي، وحين يكون منصور يكون التمعن، وحيث يكون يكون العمق، رؤية عميقة، وشاعرية فذة، من الأحد الحزين في بيروت، ومن جولته لبيروت الأصالة، إلى زنوبيا التي قدمها عظيمة، عصية، مثالاً للوطن والحب والصمود، إلى سقراط رب الفلسفة، جولة بعد جولات، من السفر برلك إلى الأمير فخر الدين المعني، قراءة في بطولة الأرض والتراب، وخروج من رحم البطولة، وقراءة في التآمر والبطولة، فذا يحاول أن يجهض المشروع، وذاك يحاول التمسك به غاية التمسك، ولكن مثال البطولة يبقى، وإن رحل الأشخاص، ومثال الخيانة يرحل، وإن استطاع أن يؤدي دوراً سلبياً، فأبو رغال الذي دلّ على الكعبة كان رمزاً، وصار يرمى ويرجم، ولكن كم من أبي رغال في حياتنا القصيرة، وفي حياة الأرض المتطاولة؟!
قال الرحابنة، قد يكون عاصي، وقد يكون منصور في الأمير فخر الدين ما جبن الآخرون عن قوله!
فكم منا من يجبن عن مفاتحة الناس بالخيانة والخائنين، وإن تحدث أحدهم رجمه الآخرون بقسوة لأنه يتحدث عن شوائب يجب ألا تظهر! بالأمس صوّروا ذلك الذي ذهب إلى الآستانة، إلى الباب العالي، ليطلب قوة تضرب الأمير الذي أراد لبلده أن يكون حراً مستقلاً، والأميرة منتهى سألت بألم: ما كان ممكن تتفاهموا من غير حرب؟!
زحف أولئك، واستطاع الباب العالي أن ينهي ولادة دولة حرة بقوة ومأساوية!
واليوم هناك حيث يظنون أنه باب عال يذهبون، من مشرق الأمة إلى مغربها، يستعينون بالسلطان على أبناء جلدتهم، ومن أجل ماذا؟ وكرمى لأي شيء؟!
اليوم يرحل أتباع السلطان الذين أشبعوا الناس قهراً وقتلاً، وكدسوا الأموال الطائلة معهم، يرحلون في رحلة الكذب الجهادية، إلى شمال إفريقية، تدفعهم الرغبة العارمة في جمع الأموال الطائلة من دماء الناس، وهم قد يدركون، وقد لا يدركون أنهم لن يعودوا من هناك، وأن ما استثمروه من مال يبقى لسواهم، وهم سيرحلون باللعنات، ودون أن يعرف لهم مقر أو قبر أو مقام!
ولأن الناس لا تتعلم ولا تتعظ، وفي كل يوم هناك دولة وهناك من يطلب نجدة الباب العالي انحاز منصور إلى الإنسانية، وهو صاحب مقولة (خيي بالإنسانية) بكلمته وصوته، فكان سقراط المثال للفكر والفلسفة والعمق، وكانت زنوبيا المثال للقوة والبطولة والافتداء سعياً إلى خلود مشتهى، وكان المتنبي المتمرد والشاعر والطموح. ثلاثية من إبداع منصور الفني، وهذه الثلاثية تظهر مقدار عمقه الفكري، وإشارته الواضحة إلى أن الأوطان تبنى بثالوث هو الفكر والإيمان والطموح.. قال منصور وشخَّص، وأبقى شخوصه بيننا، فهل نؤمن بأن الحياة بهذه الزوايا.. وبالتماهي مع الآخر.. وبأنه ماحكَّ جلدك مثل ظفرك ومعرفتك؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن