قبل أسبوعين وفي هذه الزاوية كتبت مقالاً بعنوان «الصبر الإستراتيجي… ولكن!» وقد أثار هذا المقال ردود فعل عديدة سأحاول أن أوجزها بالآتي:
أزعج بعض الأوساط الحكومية، ولكنه أرضى الرأي العام، باعتبار أنه لامس قضاياهم بشكل واضح ومباشر، وهناك طرف ثالث اعتبر كلامي سفسطة، وآخر أشار إلى أن الوقوف على طابور الغاز هو الصبر الإستراتيجي، وأن هذا الكلام لن يحل المشكلة! وبالطبع فإن التعليقات التي وردت تعكس نبض الرأي العام لدينا الذي لا يمكننا تجاهله بعد الآن أبداً.
إضافة لما سبق فقد عاتبني بعض الأصدقاء الوزراء على أن لهجة هذا المقال كانت قاسية وأنه علينا أن نأخذ بالاعتبار ظروف الحصار القاسية، وظروف عمل الحكومة الصعبة، والتي تفترض بنا أن نتضامن معها، وخاصة أن ظروف الحرب صعبة والموارد محدودة، وليس بالإمكان فعل أفضل مما هو قائم!
لقد تعمدت عرض وجهات النظر كلها كي لا أبدو مستأثراً برأيي أو كأنني مع كثير من السوريين لا نعرف ظروف الحرب، و«قانون قيصر»، ولم نقرأه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا دائماً: ما هي مسؤولياتنا؟ فإذا كانت نسبة تأثير الحصار الجائر ثمانين بالمئة، فإذاً علينا مسؤوليات بنسبة عشرين بالمئة؟ أي إننا نتحمل مسؤولية بغض النظر عن نسبة هذه المسؤولية فيما يحصل! ومن هنا فإن تحميل الحرب والحصار الآثام كلها والارتكابات والأخطاء والخطايا، هو هروب من المسؤولية، أحب البعض ذلك أم لم يحب!
أما الإشكالية الأخرى التي نواجهها فهي ترتبط بنمط تفكيرنا وعملنا، وهي قضية مزمنة، أقصد قبول «النقد»، والاستفادة منه في تطوير العمل، وحل المشكلات، وليس اعتبار كل من يوجه نقداً للحكومة أنه يستهدف شخص رئيس الحكومة، أو شخص أي وزير فيها، ذلك أن النقد لا يستهدف أشخاصاً وإنما ظواهر سلبية ذات منعكسات اجتماعية وسياسية، لابد من معالجتها، وإحدى الإشكاليات البنيوية في منهج تفكيرنا هو أننا نشخصن النقد، بدلاً من أن يكون ذلك دافعاً لنا لإيجاد الحلول وابتكارها، والبحث عن تخفيف المشكلات عن مواطننا الصامد حباً بوطنه وتراب هذا الوطن.
إن عدم البحث عن حلول وابتكارها، هو تعبير عن العجز، وعن عدم القدرة على فعل إيجابي يخفف عن الناس معاناتهم، وذلك أننا ندرك أنه ليس لدى الحكومة عصا سحرية في ظل الظروف الراهنة، ولكن لا يجوز أن نقع في كل عام بالمشكلة نفسها من دون أي حل استباقي، والجانب الآخر، أن تجارب العالم والشعوب تعلمنا الكثير، ويفترض بنا أن نكون تعلمنا من تجربتنا، وهي تجربة قاسية ومؤلمة ومبشرة في الوقت نفسه، وهذه التجربة تقول لنا إنه علينا أن نتعاطى مع علم إدارة الموارد المحدودة، وأن نكون منظمين بدقة، وفي الوقت نفسه صارمين فيما يخص قوت الناس، والحد الأدنى المطلوب لاستمرار صمودهم وتمسكهم بما يؤمنون به، ويناضلون من أجله.
إن أسوأ ما لدينا أننا دائماً نلقي الملامة على الآخرين، من دون أن نتحدث عن مسؤولياتنا نحن، وماذا يمكن أن نفعل، وما هي خطط المواجهة؟ ذلك أن أعداءنا يعلنون خططهم وبرامجهم، ويمكننا قراءة الدراسات والأبحاث والتصريحات التي تصدر عنهم، وهدفهم المعلن جهاراً نهاراً هو الانتخابات الرئاسية عام 2021، وتفكيك الحاضنة الاجتماعية الداعمة للدولة السورية، وللجيش البطل، ولسيادة الرئيس بشار الأسد الذي يقود هذه المعركة بحكمة وذكاء وشجاعة، ولذلك فإن كل تقصير أو إهمال من قبلنا يصب نقاطاً في مصلحة المشروع المعادي المعلن، والذي يعملون عليه صباح مساء، ولا يخفون هذه النيات أبداً، ومن هنا فإن الإهمال والتقصير مرفوضان بالمطلق، أما الأخطاء فإنها بالطبع تحصل مع كل من يعمل شرط ألا تكون مقصودة، وألا تتراكم لتصبح خطايا فتدمر كل ما نعمل لأجله.
النقطة المهمة الأخرى التي يجب أن ندركها أن البعض وللأسف يفهم أن النقد يهدف لتسجيل النقاط على بعضنا البعض أو لإضعاف الحكومة في ظرف عصيب، ولذلك لابد من مديح الحكومة باستمرار، وتقديم الدعم لها على مبدأ «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» وهو مبدأ خاطئ تماماً لأن هذا الأمر يقوم به، وينفذه المنافقون وما أكثرهم، على حين أن الصادق والمحب هو الذي يشير إلى الحقائق وينقل نبض الناس والرأي العام بهدف إيجاد الحلول، وتخفيف المعاناة ليس أكثر، أما المنافق فيعتقد بأن النقد هو للظهور والبروز على مبدأ «خالف تعرف»، أو للضغط من أجل مصالح معينة، في حين يذهب آخرون للقول: «إن فلاناً يريد أن يستوزر» وفي هذه الحالات كلها الأمر ليس صحيحاً، لأننا في مرحلة تاريخية صعبة ومعقدة وحساسة، وواجبنا أن ننقد، ونظهر الأخطاء ورأي الناس، بهدف تحسين شروط المواجهة وتصليبها، وليس إضعاف شعبنا ومواطنينا، ولذلك لنتحمل مسؤولياتنا، ولنكن رجال هذه المرحلة التاريخية الصعبة والحساسة، التي يصنع فيها جيشنا وأبطالنا تاريخاً جديداً لسورية والمنطقة والعالم.
النقطة الأخيرة التي أثارت الانتباه أن أحد المواقع الالكترونية السورية نسب المقال المذكور في «الوطن» السورية لمسؤول بعثي، وقال: إن مسؤولاً بعثياً ينتقد الحكومة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل المطلوب من أي مسؤول بعثي أن يمدح الحكومة، ويطري على عملها بأنها حكومة «البعث»، أم إن المطلوب من البعثيين أن يقوّموا عمل حكومتهم، ويصوبوا وينتقدوا ليكون أداؤها أفضل، لأن تراجع الأداء والتقصير والإهمال سوف ترتد على الحزب الذي في النهاية لديه قاعدة جماهيرية واسعة، ومن واجبه أن يعمل على تحقيق مصالحها، عبر الحكومة التي تمثله، أليس هذا ما يجب فعله! أما كلما انتقد أحد منا ظواهر سلبية فعلينا أن نطرح عليه السؤال: ماذا فعلت أنت؟
هذا دليل ضعف وهروب من المسؤولية، ومحاولة فاشلة للدفاع ومضرة.
المنطلق الأول لإيجاد الحلول هو الاعتراف بالتقصير وبالمشكلات، والبدء بإيجاد الحلول الممكنة وليس الجذرية ضمن الإمكانات المتاحة، وليس إلقاء المسؤولية تارة نحو الأعلى، وتارة نحو الأدنى، كما قال سيادة الرئيس بشار الأسد في أحد خطاباته.
إن النقد للأداء هدفه تصويب العمل والإشارة للمشكلات، والتعبير عن صوت الناس ليس ترفاً وإنما ضرورة في هذه المرحلة الحساسة، علينا أن نتقبلها برحابة صدر ومحبة، ونتحمل المسؤولية لإيجاد المخارج والحلول الإبداعية، وهو عمل ليس سهلاً بالطبع، لكنه ليس معجزة العصر، وخاصة أن ما نتحدث عنه هي مشكلات مزمنة ومتكررة، وكأنها قضاء وقدر في عالم التكنولوجيا والتطور السريع.
لنتوقف عن لوم الامبريالية والقوى المعادية لنا، فهؤلاء كانوا وسيبقون يتسللون من نقاط ضعفنا وتقصيرنا، وسيستمرون باستهدافنا الآن وفي المستقبل، ولكن السؤال الموجه ليس للحكومة فقط، بل لنا جميعاً: ما هي مسؤولياتنا، وماذا نحن فاعلون؟!