أخيراً بقّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب «بحصته»، متوهماً بأنه استمسك بالعروة الوثقى، محققاً السلام الشامل والعادل في المنطقة ومنهياً الصراع الوجودي مع المشروع الصهيوني الإمبريالي.
هكذا إذاً تأتي «بحصة» «صفقة القرن» لتسند قضية الشعب الفلسطيني بجرة قلم ترامب لتقرر مستقبل بيت المقدس وأكنافه في وصفة لن تكون إلا كسابقاتها من وصفات مبادرات ومشاريع تسوية منذ أعلن المجتمع الدولي الظالم في سواده الأعظم عن إقامة دولة إسرائيل العام 1947 لاستسلام الشعب الفلسطيني والأمة العربية والرضوخ للأمر الواقع ليس إلا، لكن هذه المرة مدعمة برشوة لبيع الحقوق والسيادة والكرامة والأرض العربية الفلسطينية بمال عربي يقدر بخمسين مليار دولار، وبانفتاح تطبيعي واسع من قبل كثير من الرسميات العربية، على كيان العدو الصهيوني. ولذلك تقول الحقيقة إن بحصة ترامب تهدف إلى تدمير الأمة العربية وليس الشعب الفلسطيني فقط.
لقد زعم ترامب لدى استقباله رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو: «خطتي للسلام في الشرق الأوسط منطقية وجيدة للجميع، وستكون لها فرصة للنجاح». وأضاف: إن «على الفلسطينيين قبولها وأن يُعجبوا بها لأنها جيدة لهم».
أما نتنياهو فقد ادّعى أن «خطة ترامب للسلام قد تكون فرصة القرن»، وقال موجهاً حديثه لترامب: «أشكرك على كل ما قمت به لإسرائيل من الاعتراف بـالقدس عاصمة لنا والاعتراف بسيادتنا على الجولان».
تقول الحقيقة أيضاً: إنه لا جدوى للتحليل وللتركيب وللتفلسف. فكل ذلك وغيره خبرناه منذ عدة عقود والنتيجة كانت واحدة مفادها أن المراد أميركياً وصهيونياً وغربياً ورجعياً، إقامة «الولايات المتحدة الإسرائيلية» على أنقاض الشعب الفلسطيني والأمة العربية على غرار ما حدث للهنود الحمر.
إن كل بنود «صفقة القرن» تمثل خطة «كاملة الدسم» للعدو الصهيوني وإماتة للشعب الفلسطيني على الصعد كافة: الدولة والقدس والمعتقلين وعودة اللاجئين… إلخ، فأي سلام هذا الذي ينادي به سيد البيت الأبيض وأي مستقبل أبقاه للشعب الفلسطيني.
عبر 181 صفحة ومنها خرائط، كال ترامب بمكيال واحد ينضح بسم قاتل لأبناء فلسطين والأمة العربية وبدسم كبير هدية كبرى للكيان الصهيوني وتحديداً لرئيس حكومته بنيامين نتنياهو وهذا الأمر تم التمهيد له من خلال «الربيع العربي» وقبله اتفاقات «كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة» وحروب الفتنة والتقسيم، فالقدس وفلسطين يتاجر بها من ليس لهم علاقة، ولا يملكون قيراطاً منها ولا شبراً من ترابها، ويتاجرون بها كأنها ملكهم.
لذلك فإن الرد الإستراتيجي اليقيني على مؤامرة ترامب يتطلب إعادة إنتاج قوة الشعب الفلسطيني والأمة العربية، التي تتمثل بتصليب الوحدة الوطنية والقومية العربية والمقاومة بكل أشكالها، خياراً وحيداً لتحرير الأرض وحفظ الكرامة العربية، بدل اللهاث وراء سراب السلام المزعوم مع الحلف الصهيوأميركي، لأن ما أخذ بالقوة لا يُسترد بغيرها.